للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن حَفصِ بنِ حَمزةَ القُرشيِّ قالَ: كانَ أَبو حَنيفةَ ربَّما مرَّ به الرَّجلُ، فيَجلِسُ إليه لغيرِ قَصدٍ ولا مُجالَسةٍ، فإذا قامَ سأَلَ عنه، فإن كانَت به فاقةٌ وصَلَه، وإن مرِضَ عادَه، حتى يَجرُّه إلى مواصَلتِه، وكانَ أَكرمَ الناسِ مُجالَسةً (١).

٦ - اتِّباعُه للسُّنةِ :

عن سَعيدِ بنِ سالمٍ البَصريِّ قالَ: سمِعتُ أَبا حَنيفةَ يَقولُ: لَقيتُ عَطاءً بمَكةَ فسأَلتُه عن شيءٍ، فقالَ: مِنْ أين أتيْتَ؟ قُلتُ: من أَهلِ الكوفةِ. قالَ: أنتَ من القَريةِ الذين فرَّقوا دِينَهم وكانوا شِيعًا؟ قُلتُ: نَعم. قالَ: فمِن أيِّ الأَصنافِ أنتَ؟ قُلتُ: ممَّن لا يَسبُّ السَّلفِ، ويُؤمنُ بالقَدرِ، ولا يُكفّرُ أَحدًا بذَنبٍ. قالَ: فقالَ لي عَطاءٌ: عرَفتَ، فلزَمْ (٢).

قالَ العَلامةُ أَحمدُ بنُ حَجرٍ الهَيثميُّ المَكيُّ: اعلَمْ أنَّه يَتعيَّنُ عليك أنْ لا تَفهَمَ من أَقوالِ العُلماءِ عن أَبي حَنيفةَ وأَصحابِه: أنَّهم أَصحابُ الرَّأيِ، أنَّ مُرادَهم بذلك تَنقيصَهم، ولا نِسبتَهم إلى أنَّهم يُقدِّمونَ رَأيَهم على سُنةِ رَسولِ اللهِ ولا على قَولِ أَصحابِه؛ لأنَّه بَراءٌ من ذلك.

فقد جاءَ عن أَبي حَنيفةَ من طُرقٍ كَثيرةٍ ما مُلخَّصُه: أنَّه أولًا يَأخذُ بما في القُرآنِ، فإن لم يَجدْ، فبالسُّنةِ، فإن لم يَجدْ، فبقَولِ الصَّحابةِ، فإن اختَلفوا، أخَذَ بما كانَ أَقربَ إلى القُرآنِ أو السُّنةِ من أَقوالِهم، ولم يَخرجْ عليهم،


(١) «تاريخ بغداد» (١٣/ ٣٦٠، ٣٦١).
(٢) «تاريخ بغداد» (١٣/ ٣٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>