للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اقتِداءُ المُفتَرِضِ بمَن يُصلِّي فَرضًا آخرَ، واقتِداءُ المُفتَرِضِ خلفَ المُتنَفِّلِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في حُكمِ اقتِداءِ مُفتَرِضٍ بمَن يُصلِّي فَرضًا آخرَ غيرَ فَرضِ المَأمُومِ، أو مَنْ يُصلِّي فَرضًا خلفَ مَنْ يُصلِّي نَفلًا، هل يَصحُّ أو لا؟

فذَهب الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ والحَنابلَةُ في المَذهبِ إلى أنَّه لا يَجوزُ اقتِداءُ مُفتَرِضٍ بمَن يُصلِّي فَرضًا آخرَ غيرَ فَرضِ المَأمومِ، فلا يَصحُّ اقتِداءُ مَنْ يُصلِّي ظُهرًا خلفَ مَنْ يُصلِّي عَصرًا، أو غيرَهما كالعِشاءِ، ولا عَكسُه، ولا اقتِداءُ مَنْ يُصلِّي أداءً بمَن يُصلِّي قَضاءً، ولا عَكسُه، ولا مَنْ يُصلِّي فَرضًا خلفَ مَنْ يُصلِّي نَفلًا؛ لقولِ النَّبيِّ : «إنَّما جُعل الإمامُ لِيُؤتمَّ به؛ فَلا تَختلِفُوا عليه»؛ لأنَّ الاختِلافَ في الصِّفةِ كالاختِلافِ في الوَصفِ.

وذَهب الشافِعيَّةُ والإمامُ أحمدُ في رِوايةٍ (والظَّاهريَّةُ) إلى جَوازِ اقتِداءِ المُفتَرِضِ خلفَ مَنْ يُصلِّي فَرضًا آخرَ غيرَ فَرضِ المَأمومِ، وكذا مَنْ يُصلِّي نَفلًا خلفَ مَنْ يُصلِّي فَرضًا، فإنَّ كلَّ مُصَلٍّ يُصلِّي لنَفسِه، وله ما نَواهُ مِنْ صَلاتِه؛ فالأعمالُ بالنِّياتِ، قالوا: ولأنَّنا أُمِرنا بأن نَأتَمَّ بالإمامِ فيما يَظهرُ إلينا مِنْ أفعالِه، فأمَّا النِّيةُ فمُغيَّبةٌ عنَّا، ومُحالٌ أن نُؤمرَ باتِّباعِه فيما يَخفَى مِنْ أفعالِه علينا.

واستدَلُّوا على ذلك بعِدَّةِ أدلَّةٍ، منها قولُ النَّبيِّ : «إنَّما الأَعمَالُ بِالنِّياتِ، وَإنَّما لِكلِّ امرِئٍ مَا نوَى» (١)؛ فنَصَّ نَصًّا


(١) رواه البخاريُّ (١).

<<  <  ج: ص:  >  >>