للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُكمُ من ظفِرَ بحَقٍّ له عندَ آخَرَ:

مَنْ كانَ له حَقٌّ عندَ آخَرَ فهذا لا يَخلو من حالتَينِ:

الحالةُ الأُولى: أنْ يَكونَ مُقِرًّا بالحَقِّ باذِلًا له:

إذا كانَ صاحِبُ الحَقِّ مُقِرًّا بالحَقِّ باذِلًا له فهذا ممَّا لا خِلافَ فيه بينَ العُلماءِ على أنَّه لا يَجوزُ للإِنسانِ أنْ يأخُذَ حقَّه منه إنْ ظفِرَ به.

قالَ ابنُ قُدامةَ : إذا كانَ لرَجلٍ على غيرِه حَقٌّ وهو مُقرٌّ به باذِلٌ له لم يَكُنْ له أنْ يأخُذَ من مالِه إلا ما يُعطيه بلا خِلافٍ بينَ أهلِ العِلمِ، فإنْ أخَذَ من مالِه شَيئًا بغيرِ إِذنِه لزِمَه رَدُّه إليه وإنْ كانَ قَدرَ حَقِّه؛ لأنَّه لا يَجوزُ أنْ يَملكَ عليه عَينًا من أَعيانِ مالِه بغيرِ اختيارِه لغيرِ ضَرورةٍ، وإنْ كانَت من جِنسِ حَقِّه؛ لأنَّه قد يَكونُ للإِنسانِ غَرضٌ في العَينِ، فإنْ أتلَفَها أو تلِفَت فصارَت دَينًا في ذِمتِه، وكانَ الثابِتُ في ذِمتِه من جِنسِ حَقِّه تَقاصَّا في قياسِ المَذهبِ وفي المَشهورِ من مَذهبِ الشافِعيِّ، وإنْ كانَ مانِعًا له لأمرٍ يُبيحَ المَنعَ كالتَّأجيلِ والإِعسارِ لم يَجزْ أخذُ شَيءٍ من مالِه بغيرِ خِلافٍ، وإنْ أخَذَ شَيئًا لزِمَه رَدُّه إنْ كانَ باقِيًا أو عِوضَه إنْ كانَ تالِفًا، ولا يَحصُلُ التَّقاصُّ ههنا؛ لأنَّ الدَّينَ الذي له لا يَستحِقُّ أخذَه في الحالِ بخِلافِ التي قبلَها (١).

وقالَ الزَّركَشيُّ: إذا لم يَمنَعْه من حَقِّه فإنَّه ليس له الأخذُ اتِّفاقًا (٢).


(١) «المغني» (١٠/ ١٧٥).
(٢) «شرح الزركشي» (٣/ ٤٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>