اختَلفَ الفُقهاءُ في حُكمِ تَكرارِ مَسحِ الرأسِ في الوُضوءِ هل يُستحبُّ مَرةً واحِدةً ولا يُزادُ عليها أو المُستحبُّ ثَلاثُ مَراتٍ؟
فذهَبَ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والإمامُ أحمدُ في المَشهورِ عنه -وهو وَجهٌ لبَعضِ أَصحابِ الشافِعيِّ- إلى أنَّ مَسحَ الرأسِ يَكونُ مَرةً واحِدةً؛ ولأنَّه بالتَّكرارِ يَصيرُ غَسلًا، والمَأمورُ به المَسحُ.
قالَ الحَنابِلةُ: لا يُستحبُّ تَكرارُ مَسحِ الرأسِ؛ لأنَّ أكثَرَ مَنْ وصَفَ وُضوءَ النَّبيِّ ﷺ ذكَرَ أنَّه مسَحَ رأسَه مَرةً واحِدةً، وحِكايَتُهم لوُضوءِ النَّبيِّ ﷺ إخبارٌ عن الدَّوامِ، ولا يُداوَمُ إلا على الأفضَلِ الأكملِ؛ ولأنَّه مَسحٌ في طَهارةٍ، فلم يُستحبَّ تَكرارُه، كالمَسحِ في التَّيممِ، والمَسحِ على الجَبيرةِ، وسائِرِ المَسحِ.
قالَ أبو داودَ ﵀: أَحاديثُ عُثمانَ الصِّحاحُ كلُّها تَدلُّ على أنَّ مَسحَ الرأسِ يَكونُ مَرةً؛ فإنَّهم ذكَروا الوُضوءَ ثَلاثًا ثَلاثًا، وقالوا فيها: ومسَحَ برأسِه، ولم يَذكُروا عَددًا، كما ذكَروه في غيرِه.
وكذا قالَ ابنُ المُنذرِ ﵀: إنَّ الثابِتَ عن النَّبيِّ ﷺ في المَسحِ أنَّه يَكونُ مَرةً واحدةً.
ولأنَّ المَسحَ مَبنيٌّ على التَّخفيفِ فلا يُقاسُ على الغُسلِ المُرادِ منه المُبالَغةُ في الإسباغِ؛ ولأنَّ العَددَ لو اعتُبِرَ في المَسحِ لصارَ في صُورةِ الغُسلِ، إذْ حَقيقةُ الغُسلِ جَريانُ الماءِ.