للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَبَ الحَنابلةُ إلى أنها إنْ ألقَتْ مُضغةً لا صُورةَ فيها لم يَجبْ ضَمانُها؛ لأنه لا يُعلَمُ أنها جَنينٌ، وإنْ شَهدَ ثِقاتٌ مِنْ القَوابلِ أنَّ فيها صُورةً خَفيَّةً ففيها غُرةٌ؛ لأنه جَنينٌ، وإنْ شَهِدْنَ أنه مُبتدَأُ خَلقِ آدَميٍّ لو بَقيَ تصوَّرَ ففيهِ وَجهانِ:

قالَ ابنُ قُدامةَ : أصَحُّهما: لا شيءَ فيه؛ لأنه لم يَتصوَّرْ، فلَم يجبْ فيه كالعَلقةِ، ولأنَّ الأصلَ بَراءةُ الذِّمةِ، فلا نَشغلَها بالشكِّ.

والثاني: فيه غُرةٌ؛ لأنه مُبتدأُ خَلقِ آدَميٍّ، أشبَهَ ما لو تَصوَّرَ، وهذا يَبطلُ بالنُّطفةِ والعَلقةِ (١).

وقالَ ابنُ رُشدٍ : واختَلفُوا مِنْ هذا البابِ في الخِلقةِ التي تُوجِبُ الغُرةَ، فقالَ مالكٌ: كلُّ ما طرَحَتْه مِنْ مُضغةٍ أو عَلقةٍ ممَّا يُعلَمُ أنه وَلدٌ ففيهِ الغُرةُ، وقالَ الشافِعيُّ: لا شَيءَ فيه حتَّى تَستبينَ الخِلقةُ.

والأجوَدُ أنْ يُعتبَرَ نَفخُ الرُّوحِ فيه، أعنِي أنْ يكونَ تَجبُ فيه الغُرةُ إذا عُلِمَ أنَّ الحياةَ قد كانَتْ وُجدَتْ فيه (٢).

مِقدارُ الغُرَّةِ:

اتَّفقَ فُقهاءُ المَذاهبِ الأربَعةِ على أنَّ الغُرةَ قيمتُها نِصفُ عُشرِ الدِّيةِ وهي خَمسٌ مِنْ الإبلِ، أو عُشرُ دِيةِ أمِّه وهي خَمسٌ مِنْ الإبلِ؛ لأنَّ


(١) «المغني» (٨/ ٣١٨)، و «الكافي» (٤/ ٨٦)، و «المبدع» (٨/ ٣٥٧، ٣٥٨)، و «الإنصاف» (١٠/ ٦٩)، و «كشاف القناع» (٦/ ٢٧، ٢٨).
(٢) «بداية المجتهد» (٢/ ٣١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>