للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُكمُ من ترَكَ إِخراجَ الزَّكاةِ حتى ماتَ:

مَنْ ترَكَ الزَّكاةَ التي وجَبَت عليه حتى ماتَ وهو مُتمكِّنٌ من إِخراجِها ولم يُوصِ بإِخراجِها أثِمَ بإِجماعِ أهلِ العِلمِ.

إلا أنَّ الفُقهاءَ اختلَفوا هل تَسقطُ عنه الزَّكاةُ في هذه الحالةِ أو لا؟

فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ وإِسحاقُ، وأبو ثَورٍ، وابنُ المُنذِرِ، وهو مَرويٌّ عن عَطاءٍ، والحَسنِ، والزُّهريِّ إلى أنَّ من ماتَ وعليه زَكاةٌ لم يُؤدِّها فإنَّها لا تَسقطُ عنه بالمَوتِ كسائِرِ حُقوقِ اللهِ تعالَى الماليَّةِ، ومنها الحَجُّ والكَفاراتُ، ويَضمنُها، ويَجبُ إِخراجُها من مالِه، سَواءٌ أَوصى بها أو لم يُوصِ، وتُخرَجُ من كلِّ مالِه؛ لأنَّها دَينٌ للهِ ، فتُعامَلُ مُعامَلةَ الدَّينِ، ولا تُزاحِمُ الوَصايا في الثُّلثِ؛ لأنَّ الثُّلثَ يَكونُ فيما بعدَ الدَّينِ.

واستدَلُّوا بأنَّه حَقٌّ واجِبٌ في المالِ، فلم تَسقُطْ بالمَوتِ كدَينِ الآدَميِّ (١).

والصَّحيحُ عندَ الشافِعيةِ أنَّه إذا اجتمَعَ دَينُ اللهِ مع دَينِ الآدَميِّ يُقدَّمُ دَينُ اللهِ ؛ لحَديثِ: «دَينُ اللهِ أحَقُّ أنْ يُقضَى» (٢)


(١) «حاشية الدسوقي على الشرح الكبير» (٤/ ٤٤١)، و «بداية المجتهد» (١/ ٣٤٤)، و «الحاوي الكبير» (٣/ ٣٦٧، ٣٦٨)، و «المجموع» (٥/ ٣٠١، ٣٠٢)، (٦/ ٢١٩). و «شرح المنهاج» (٢/ ٤١)، و «المغني مع الشرح الكبير» (٣/ ٤٥٧)، و «كشاف القناع» (٢/ ١٨٢)، و «الروض المربع» (١/ ٣٦٢).
(٢) أخرجه البخاري (١٨٥٢)، ومسلم (١١٤٨)، وقد رَوى البخاري أيضًا (٦٩٥٩) عن ابن عباسٍ أنَّه قال: استَفتَى سَعدُ بنُ عُبادةَ الأنصاريُّ رَسولَ اللهِ في نَذرٍ كانَ على أُمِّه تُوفِّيت قبلَ أنْ تَقضيَه، فقالَ رَسولُ اللهِ : «اقضِه عنها».
قالَ المُهلَّبُ: فيه حُجَّةٌ على أنَّ الزَّكاةَ لا تَسقُطُ بالحِيلةِ ولا بالمَوتِ؛ لأنَّ النَّذرَ لَمَّا لم يَسقُطْ بالمَوتِ -والزَّكاةُ أوكَدُ منه- كانَت لَازمةً لا تَسقطُ بالمَوتِ أَوْلى؛ لأنَّه لمَّا ألزَم الوَليَّ بقَضاءِ النَّذرِ عن أُمِّه كانَ قَضاءُ الزَّكاةِ التي فرَضَها اللهُ أشَدَّ لُزومًا. اه. نَقلًا من «فَتحِ الباري» (١٢/ ٣٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>