وزالَ ضَمانُ الغَصبِ بمُجرَّدِ عَقدِ المُضاربةِ، وصارَ المالُ أمانةً بيَدِه؛ لِإذنِ رَبِّه في بَقائِه في يَدِه، ولأنَّ ما في يَدِه مَضمونٌ إلى أنْ يأخُذَ في العَملِ؛ فإذا أخَذَ في العَملِ -وهو الشِّراءُ- تَصيرُ أمانةً في يَدِه ويَتحقَّقُ مَعنى المُضاربةِ وتَصحُّ.
وذهَب زُفَرُ مِنَ الحَنفيَّةِ وهو مُقابِلُ الأصَحِّ عندَ الشافِعيَّةِ إلى أنَّه لا يَصحُّ؛ لأنَّ المُضاربةَ تَقتَضي كَونَ المالِ أمانةً في يَدِ المُضارِبِ، والمَغصوبِ مَغصوبًا في يَدِه مَضمونًا عليه، وهما مُتنافيانِ، فلا يَتحقَّقُ التَّصرُّفُ لِلمُضاربةِ فلا يَصحُّ (١).
٣ - أنْ يَكونَ رَأسُ المالِ مَعلومًا:
اشتَرَط الفُقهاءُ في رأسِ المالِ أنْ يَكونَ مَعلومًا عندَ العَقدِ لِلمُتعاقدَيْن، فلا تَصحُّ المُضاربةُ على مَجهولِ القَدرِ دَفعًا لِجهالةِ الرِّبحِ، ولا على مَجهولِ الصِّفةِ، ومِثلُها الجِنسُ؛ لأنَّ جَهالةَ رأسِ المالِ تُؤدِّي إلى جَهالةِ الرِّبحِ، وكَونُ الرِّبحِ مَعلومًا شَرطُ صِحَّةِ المُضاربةِ، فلو قارَضه على صُبرةٍ أو كَفٍّ مِنَ الدَّراهمِ أو نَقدٍ في كِيسٍ مَجهولِ القَدْرِ، أو دفَع إليه ثَوبًا وقال:«بِعْه، وقد قارَضتُك على ثَمنِه»، لَم يَصحَّ؛ لِلغَررِ؛ لأنَّ النَّبيَّ ﷺ
(١) «بدائع الصانع» (٦/ ٨٣)، و «الأوسط» (٥/ ٧٠٧)، و «روضة الطالبين» (٣/ ٧٤٠)، و «البيان» (٧/ ١٨٨)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٢٦٠)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٣٤٢)، و «الإنصاف» (٥/ ٤٠٨)، و «كشاف القناع» (٣/ ٥٨٢)، و «شرح منتهى الإرادات» (٣/ ٥٤٧)، و «مطالب أولى النهى» (٣/ ٤٩٧)، و «منار السبيل» (٢/ ١٨٠).