للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانِيًا: وَقفُ العينِ المُؤجَّرةِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في العَينِ المُؤجَّرةِ، هل يَصحُّ وَقفُها أم لا؟

فذهَبَ الحَنفيةُ والشافِعيةُ إلى صِحةِ وَقفِ العَينِ المُؤجَّرةِ، فإنِ انقَضتْ مدَّةُ الإجارةِ صُرِفتْ إلى جِهةِ الوَقفِ.

قالَ الحَنفيةُ: لا يُشترطُ لصِحةِ الوَقفِ عدَمُ تَعلُّقِ حقِّ الغَيرِ به، فلو وقَفَ ما في إجارةِ الغَيرِ صَحَّ، ولا تَبطلُ الإجارةُ، فإذا انقَضَتْ أو ماتَ أحَدُهما صُرِفتْ إلى جِهاتِ الوَقفِ (١).

وقالَ الشافِعيةُ: لو وقَفَ المُؤجِّرُ أرضَهُ التي أجَّرَها أو الوارِثُ المُوصِي بمَنفعتِه مُدَّةً أو المُستأجِرُ لأرضٍ بناءه أو غِراسه الذي بَناهُ أو غرَسَه فيها صَحَّ؛ لأنَّ كُلًّا مِنهُما مَملوكٌ يُمكِنُ الانتفاعُ به في الجُملةِ مع بَقاءِ عَينِه، سَواءٌ أكانَ الوَقفُ في الأخيرةِ قبلَ انقِضاءِ المدَّةِ أم بعدَه (٢).

وذهَبَ المالِكيةُ إلى عَدمِ صِحةِ وَقفِ العَينِ المُؤجَّرةِ؛ لأنَّ مِنْ شَرطِ المَوقوفِ عندَهُم ألَّا يَتعلَّقَ به حقُّ الغَيرِ، وهذا إذا أرادَ الواقفُ وقْفَ العَينِ المُؤجَّرةِ مِنْ الآنَ مع كَونِه مُستأجِرًا، وأمَّا لو وقَفَ ما ذُكِرَ قاصِدًا بوَقفِها مِنْ الآنَ أنها بعدَ الخَلاصِ مِنْ الإجارةِ تَكونُ وَقفًا صحَّ ذلكَ؛ إذْ لا يُشترطُ في الوَقفِ التَّنجيزُ (٣).

أمَّا الحَنابلةُ فلمْ أَقِفْ لهم على قَولٍ صَريحٍ في وَقفِ العينِ المُؤجَّرةِ.


(١) «البحر الرائق» (٥/ ٢٠٥)، و «حاشية ابن عابدين» (٤/ ٣٩١).
(٢) «أسنى المطالب» (٢/ ٤٥٨)، و «حاشية عميرة» (٣/ ٢٤١).
(٣) «حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير» (٥/ ٤٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>