للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيانُ حُكمِ الصُّلحِ إذا بطَل بعدَ صِحَّتِه أو لَم يَصحَّ أصلاً:

فهو أنْ يَرجِعَ المُدَّعِي إلى أصلِ دَعواه إنْ كان الصُّلحُ عن إنكارٍ، وإنْ كان عن إقرارٍ فيَرجِعُ على المُدَّعَى عليه بالمُدَّعِي لا غَيرِه، إلا أنَّ في الصُّلحِ عن قِصاصٍ إذا لَم يَصحَّ كان له أنْ يَرجِعَ على القاتِلِ بالدِّيةِ دونَ القِصاصِ، إلا أنْ يَصيرَ مَغرورًا مِنْ جِهةِ المُدَّعَى عليه فيَرجِعَ عليه بضَمانِ الغَرَرِ أيضًا.

وبَيانُ هذه الجُملةِ أنَّهما إذا تَقايَلا الصُّلحَ فيما سِوى القِصاصِ أو رَدِّ البَدَلِ بالعَيبِ وخيارِ الرُّؤيةِ يَرجِعُ المُدَّعِي بالمُدَّعَى إنْ كان عن إقرارٍ، وإنْ كان عن إنكارٍ يَرجِعُ إلى دَعواه؛ لأنَّ الإقالةَ والرَّدَّ بالعَيبِ وخيارِ الرُّؤيةِ فَسخٌ لِلعَقدِ، وإذا فُسِخَ جُعِلَ كأنَّه لَم يَكُنْ، فعادَ الأمرُ على ما كان مِنْ قَبلُ.

وكذا إذا استُحِقَّ؛ لأنَّ بالاستِحقاقِ ظَهَر أنَّه لَم يَصحَّ؛ لِفَواتِ شَرطِ الصِّحَّةِ، فكأنَّه لَم يُوجَدْ أصلًا، فكان وُجودُه وعَدَمُه بمَنزِلةٍ واحِدةٍ، إلا أنَّ في الصُّلحِ عن القِصاصِ عن إقرارٍ لا يَرجِعُ بالمُدَّعِي، وإنْ فاتَ شَرطُ الصِّحَّةِ؛ لأنَّ صُورةَ الصُّلحِ أورَثَتْ شُبهةً في دَرءِ القِصاصِ، ولأنَّ القِصاصَ لا يُستَوفَى مع الشُّبهةِ، فسَقَطَ لكنْ إلى بَدَلٍ، وهو الدِّيةُ.

فأمَّا المالُ وما سِوى القِصاصِ مِنَ الحُقوقِ والحُدودِ فيما يُمكِنُ استِيفاؤُه مع الشُّبهةِ فأمكَنَ الرُّجوعُ بالمُدَّعِي ولا يَرجِعُ بشَيءٍ آخَرَ إلا إذا صارَ مَغَرَّرًا مِنْ جِهةِ المُدَّعَى عليه، بأنْ كان بَدَلُ الصُّلحِ جاريةً فقبَضها واستَولَدَها ثم جاءَ مُستحِقٌّ فاستَحقَّها وأخَذَها وأخَذَ عُقرَها وقيمةَ وَلَدِها وَقتَ الخُصومةِ؛ فإنَّه يَرجِعُ على المُدَّعَى عليه بالمُدَّعِي، وبما ضمِن مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>