ذَهَبَ عامَّةُ الفُقهاءِ إلى أنَّه إذا اختَل رُكنٌ أو شَرطٌ مِنْ شُروطِ صِحَّةِ الإجارةِ فَسَدَتِ الإجارةُ، ويَجِبُ فَسخُها، ولا أُجرةَ فيها قبلَ العَملِ؛ فإذا تَمَّتِ الإجارةُ مع فَسادِها، فاختَلفَ الفُقهاءُ ما الذي يَجِبُ فيها، هَلْ يَجِبُ أُجرةُ المِثلِ بالِغةً ما بَلَغَتْ، أو يَجِبُ أُجرةُ المِثلِ لا تُجاوِزُ المُسمَّى؟
اتَّفقَ فُقهاءُ المَذاهبِ الأربَعةِ على أنَّ الإجارةَ إذا فَسَدَتْ وكانَتِ الأُجرةُ لَم تُسَمَّ، أو كانَتْ مَجهولةً، كَما إذا استَأجَرَ على دَابَّةٍ، أو ثَوبٍ، أوِ استَأجَرَ دارًا على أنْ يَعمُرَها؛ فإنَّه يَجِبُ أجْرُ المِثلِ بالِغًا ما بَلَغَ، إجماعًا، وكَذا إذا استَأجَرَ أجيرًا ولَم يُسَمِّ له أجْرًا، يَجِبُ له أجْرُ المِثلِ بالِغًا ما بَلَغَ؛ لأنَّه إذا لَم يكُنْ فيه تَسميةُ الأجْرِ لا يَرضَى باستِيفاءِ المَنافِعِ بغَيرِ بَدَلٍ، كانَ ذلك تَمليكًا بالقِيمةِ التي هي المُوجِبُ الأصلِيُّ دِلالةً، فكانَ تَقويمًا لِلمَنافِعِ بأجْرِ المِثلِ؛ إذْ هو قِيمةُ المَنافِعِ في الحَقيقةِ.
وَلا يثبُتُ في هذه الإجارةِ شَيءٌ مِنْ الأحكامِ التي هي مِنْ التَّوابِعِ، إلَّا ما يَتعلَّقُ بصِفةِ المُستَأجِرِ له فيه، وهي كَونُه أمانةً في يَدِ المُستَأجِرِ، حتى لَو هَلَكَ لا يَضمَنُ؛ لِحُصولِ الهَلاكِ في قَبضٍ مَأذونٍ له فيه مِنْ قِبَلِ المُؤاجِرِ.
وأمَّا الإجارةُ الباطِلةُ، وهي التي فاتَها شَرطٌ مِنْ شَرائِطِ الِانعِقادِ، فلا حُكمَ لَها رَأْسًا؛ لأنَّ ما لا يَنعَقِدُ، وُجودُه في حَقِّ الحُكمِ، وعَدَمُه بمَنزِلةٍ واحِدةٍ، وهو تَفسيرُ الباطِلِ مِنْ التَصرُّفاتِ الشَّرعيةِ؛ كالبَيعِ ونَحوِه.
فَلا تَلزَمُ الأُجرةُ في الإجارةِ الباطِلةِ باستِعمالِ المَأجورِ واستِيفاءِ