للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الحَنابِلةُ: الحاكِمُ إذا حضَرَتْه قَضيةٌ تبيَّنَ له حُكمُها في كِتابِ اللهِ تَعالى أو سُنةِ رَسولِه أو إِجماعٍ أو قياسٍ جَليٍ حكَمَ ولمْ يَحتجْ إلى رأي غيرِه؛ لقَولِ رَسولِ اللهِ لمُعاذٍ حينَ بعَثَه إلى اليَمنِ: «بمَ تَحكمُ؟» قالَ: بكِتابِ اللهِ. قالَ: «فإنْ لمْ تَجدْ؟» قالَ: بسُنةِ رَسولِ اللهِ . قالَ: «فإنْ لمْ تَجدْ؟» قالَ: أَجتهدُ برَأيي. قالَ: «الحَمدُ للهِ الذي وفَّقَ رَسولَ رَسولِ اللهِ لمَا يُرضي رَسولَ اللهِ ».

فإنِ احتاجَ إلى الاجتِهادِ استُحبَّ له أنْ يُشاورَ؛ لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران: ١٥٩] ولأنَّه قد يَنتبُه بالمُشاورةِ ويَتذكرُ ما نسِيَه بالمُذاكرةِ، ولأنَّ الإِحاطةَ بجَميعِ العُلومِ مُتعذِّرةٌ، وقد يَنتبهُ لإِصابةِ الحَقِّ ومَعرفةِ الحادثةِ مَنْ هو دونَ القاضِي، فكيفَ بمَن يُساوِيه أو يَزيدُ عليه.

والمُشاورةُ هاهنا لاستِخراجِ الأَدلةِ، ويُعرفُ الحَقُّ بالاجتِهادِ.

فإذا حدَثَتْ حادثةٌ نظَرَ في كِتابِ اللهِ فإنْ وجَدَها، وإلا نظَرَ في سُنةِ رَسولِه فإنْ لمْ يَجدْها؛ نظَرَ في القِياسِ فألَحَقها بأَشبهِ الأُصولِ بها لمَا ذكَرْنا مِنْ حَديثِ مُعاذِ بنِ جَبلٍ (١).

هل يَجوزُ تَقليدُ مَذهبٍ مُعينٍ في القَضاءِ؟

اختَلفَ الفُقهاءُ في حُكمِ مَنْ قُلدَ القَضاءَ وليسَ مُجتهدًا ماذا يَصنعُ في المَسائلِ الخِلافيةِ، هل يَجوزُ له تَقليدُ مَذهبٍ مُعينٍ ولا يَخرجُ عنه أم لا يَجوزُ له؟


(١) «المغني» (١٠/ ١٠٠، ١٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>