اتَّفقَ فُقهاءُ المَذاهبِ الأربَعةِ على أنَّه لا يَجوزُ عَقدُ الهُدنةِ على رَدِّ من جاءَت من المُسلِماتِ منهم إلينا، وكذا لو أسلَمَت عندَنا بعدَ مَجيئِها من عِندِهم لما رُويَ: أنَّ النَّبيَّ ﷺ عقَدَ الصُّلحَ في الحُدَيبيةِ، ثم جاءَتْه بعدَ ذلك أمُّ كُلثومٍ بِنتُ عُقبةَ بنِ أبي مُعَيطٍ مُسلِمةً، فجاء أخَواها يَطلُبانِها، فأرادَ النَّبيُّ ﷺ أنْ يَرُدَّها عليهما. فمَنَعه اللهُ مِنْ رَدِّها بقَولِه ﷾: ﴿فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ﴾ [الممتحنة: ١٠](١) فأخبَرَ النَّبيُّ ﷺ أنَّ اللهَ تَعالَى قد منَع من الصُّلحِ في النِّساءِ، فامتنَعَ حينَئذٍ رَسولُ اللهِ ﷺ مِنْ رَدِّهن، ومِن رَدِّ النِّساءِ كلِّهِنَّ، ولأنَّه لا يُؤمَنُ أنْ تُفتَنَ عن دِينِها لنُقصانِ عَقلِها أو أنْ تُزوَّجَ بمُشرِكٍ؛ لأنَّ النِّساءَ ذَواتِ الأزواجِ يَحرُمْنَ
(١) رواه البخاري (٢٥٦٤) كتاب الشُّروطِ، بابُ ما يَجوزُ من الشُّروطِ في الإِسلامِ والأَحكامِ والمُبايَعةِ: حدَّثَنا يَحيى بنُ بُكَيرٍ حدَّثَنا اللَّيثُ عن عَقيلٍ عن ابنِ شِهابٍ قال: أخبَرَني عُروةُ بنُ الزُّبيرِ أنَّه سمِعَ مَروانَ والمِسوَرَ بنَ مَخرَمةَ ﵄ يُخبِران عن أَصحابِ رَسولِ اللهِ ﷺ قال: لَمَّا كاتَبَ سُهَيلُ بنُ عَمرٍو يَومَئِذٍ كان فيما اشتَرطَ سُهَيلُ بنُ عَمرٍو على النَّبيِّ ﷺ أنَّه لا يَأتِيك مِنَّا أحَدٌ وإنْ كان على دِينِك إلا رَدَدتَه إلينا وخَلَّيتَ بينَنا وبينَه، فكَرِه المُؤمِنونَ ذلك وامتعَضوا منه وأَبى سُهَيلٌ إلا ذلك، فكاتَبَه النَّبيُّ ﷺ على ذلك، فرَدَّ يَومَئِذٍ أبا جَندَلٍ إلى أبيه سُهَيلِ بنِ عَمرٍو ولمْ يأتِه أحَدٌ من الرِّجالِ إلا رَدَّه في تلك المُدةِ وإنْ كان مُسلمًا، وجاء المُؤمِنات مُهاجِراتٍ وكانت أُمُّ كُلثومٍ بِنتُ عُقبةَ بنِ أبي مُعَيطٍ ممَّن خرَجَ إلى رَسولِ اللهِ ﷺ يَومَئِذٍ وهي عاتِقٌ فجاءَ أهلُها يَسألونَ النَّبيَّ ﷺ أنْ يُرجِعَها إليهم، فلم يُرجِعْها إليهم لِما أنزَلَ اللهُ فيهِنَّ ﴿إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ﴾ إلى قولِه: ﴿وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾.