للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ المَيْتةِ والدَّمِ والعُذرةِ والبَولِ، وذلك هو المَعنَى الذي مُثِّلَ به بائِعُ الخَمرِ وآكِلُ ثَمَنِها، بالبائِعِ مِنْ اليَهودِ الشُّحومَ وآكِلِ أثمانِها؛ إذ كانَتِ الشُّحومُ يَحرُمُ أكلُها على اليَهودِ، نَجِسةً عندَهم نَجاسةَ الخَمرِ والمَيْتةِ في دِينِنا؛ فكانَ بائِعُها مِنهم وآكِلُ ثَمَنِها نَظيرَ بائِعِ الخَمرِ والخِنزيرِ مِنَّا، وآكِلِ ثَمَنِها؛ فالواجِبُ أنْ يَكونَ كلُّ ما كانَ نَجِسًا حَرامًا بَيعُه وشِراؤُه وأكْلُ ثَمَنِه، وكُلُّ ما حُرِّمَ أكْلُه وهو طاهِرٌ فحَلالٌ بَيعُه وشِراؤُه، والِانتِفاعُ به فيما لَم يَحظُرِ اللَّهُ الِانتِفاعَ به؛ فبانَ الفَرقُ بينَهما (١).

بَيعُ الذِّمِّيِّ الخَمرَ:

اختلَف الفُقهاءُ في أهلِ الذِّمَّةِ، هل يَجوزُ لَهم بَيعُ الخَمرِ أو لا يَجوزُ، كالمُسلِمينَ؟ على قَولَيْنِ لِلفُقهاءِ:

القَولُ الأوَّلُ: وهو مَذهبُ الحَنفيَّةِ أنَّه يَجوزُ لَهم بَيعُها.

قالَ الإمامُ الجَصَّاصُ : قالَ أصحابُنا: أهلُ الذِّمَّةِ مَحمولونَ في البُيوعِ والمَواريثِ وسائِرِ العُقودِ على أحكامِ الإسلامِ، كالمُسلِمينَ، إلَّا في بَيعِ الخَمرِ والخِنزيرِ؛ فإنَّ ذلك جائِزٌ فيما بينَهم؛ لأنَّهم مُقَرُّونَ على أنْ تَكونَ مالًا لَهم … وما عَدَا ذلك فهو مَحمولٌ على أحكامِنا (٢)، ومِثلُه ما قالَه الإمامُ السَّرخَسيُّ في المَبسوطِ، وصرَّح به الكاسانيُّ في البَدائِعِ، حيثُ قالَ: كلُّ ما جازَ مِنْ بُيوعِ المُسلِمينَ جازَ مِنْ بُيوعِ أهلِ الذِّمَّةِ، وما يَبطُلُ أو يَفسُدُ مِنْ


(١) «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (٦/ ٣٤٥، ٣٤٦).
(٢) «أحكام القرآن» للجصاص (٤/ ٨٩)، وانظر: «ابن عابدين» (٣/ ٢٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>