للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - الحَجْرُ على المَجنونِ:

لا خِلافَ بينَ العُلماءِ على أنَّ الجُنونَ سَبَبٌ مِنْ أسبابِ الحَجْرِ، فالمَجنونُ مَحجورٌ عليه إذا كان مُطْبِقًا، وسَواءٌ كان الجُنونُ أصلِيًّا أو طارِئًا.

والمَجنونُ في أحكامِ الحَجْرِ كالصَّبيِّ، سَواءٌ كان مَسلوبَ العَقلِ أصلًا، بحيث لا يُفيقُ في الأغلَبِ، أو كان مَجنونًا بالصَّرَعِ، أو كان مَجنونًا بالوَسواسِ، وهو الذي يُخيَّلُ إليه أنَّه فَعَلَ وهو لَم يَفعَلْ، ولا فَرقَ بينَ أنْ يَكونَ الجُنونُ في الأحوالِ الثَّلاثةِ مُطْبِقًا أو مُتقطِّعًا، فلا يَصحُّ تَصرُّفُه بحالٍ عندَ الجُمهورِ -كما سيأتي- خِلافًا لِلحَنفيَّةِ فيما إذا كان جُنونُه مُتقطِّعًا.

والدَّليلُ على الحَجْرِ على المَجنونِ: قَولُ اللهِ : ﴿فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ﴾ [البقرة: ٢٨٢]. ووَجْهُ الدِّلالةِ مِنَ الآيةِ أنَّ العَرَبَ تُطلِقُ السَّفيهَ على ضَعيفِ العَقلِ تارةً وعلى ضَعيفِ البَدَنِ تارةً أُخرى، وكذلك يُطلَقُ الضَّعيفُ على ضَعيفِ العَقلِ وعلى ضَعيفِ البَدَنِ، والمَجنونُ ضَعيفٌ، فيَكونُ مَسلوبَ العِبارةِ يُحجَرُ عليه.

قال المازوريُّ : لا خِلافَ بَينَهم في كَونِه إذا بَلَغَ مَجنونًا لا يُدفَعُ إليه مالُه؛ لِمُشارَكتِه الصَّغيرَ في عِلَّةِ المَنعِ مِنَ الدَّفعِ، بلِ المَجنونُ أوْلى بالمَنعِ مِنَ المُراهِقِ؛ لِكَونِه عُدِمَ العَقلَ بالكُلِّيَّةِ، ولَحِقَ بالبَهائِمِ (١).


(١) «شرح التلقين» (٣/ ١٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>