للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زوجةُ الرَّجلِ إذا زنَتْ هل يَبطلُ نِكاحُها أم لا؟

اتَّفقَ فُقهاءُ المَذاهبِ الأربعةِ على أنَّ المرأةَ إذا كانتْ متزوِّجةً وزَنَتْ أنه لا يَنفسخُ نكاحُها؛ لمَا رُويَ أنَّ رجلًا أتى النبيَّ فقالَ: يا رسولَ اللهِ إنَّ امرأتِي لا تَدفعُ يدَ لامسٍ، فقالَ : طلِّقْها، فقالَ: إني أحبُّها وهيَ جَميلةٌ، فقالَ : استَمتِعْ بها» وفي رِوايةٍ: «أَمسِكْها إذًا» (١)، ولأنَّ الزوجَ لو أقَرَّ بأنها زنَتْ لمْ يَنفسخْ نكاحُها منه، فكذلكَ إذا ثبَتَ بغيرِ إقرارِه؛ اعتبارًا بسائرِ الأصولِ طَردًا وعَكسًا (٢).

قالَ أبو بكرٍ الجصَّاصُ : وفُقهاءُ الأمصارِ مُتفِقونُ على جوازِ النكاحِ، وأنَّ الزنا لا يُوجِبُ تحريمَها على الزوجِ ولا يُوجِبُ الفرقةَ بينَهما (٣).

وقالَ أيضًا: ومِنَ الناس مَنْ يقولُ: إنَّ تَزويجَ الزانيةِ وإمساكَها على النكاحِ مَحظورٌ مَنهيٌّ عنه ما دامَتْ مُقيمةً على الزنا وإنْ لم يؤثِّرْ ذلكَ في إفسادِ النكاحِ؛ لأنَّ اللهَ تعالى إنَّما أباحَ نكاحَ المُحصَناتِ مِنَ المؤمناتِ ومِن أهلِ الكتابِ بقوله: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [المائدة: ٥]، يعني العَفائفَ مِنهنَّ، ولأنها إذا كانَتْ كذلكَ لا يُؤمنُ أنْ تأتِيَ بولدٍ مِنْ الزنا فتُلحِقَه به وتُورِّثَه مالَه، وإنما يُحمَلُ قولُ مَنْ رخَّصَ في ذلكَ على أنها تائبةٌ غيرُ مُقيمةٍ على الزنا.


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٢٠٤٩)، والنسائي (٣٢٢٩، ٣٤٦٤).
(٢) «المعونة» (١/ ٥٣٣).
(٣) «أحكام القرآن» للجصاص (٥/ ١٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>