للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - صَومُ يَومِ عَرفةَ:

اتَّفَق الفُقهاءُ على استِحبابِ صَومِ يَومِ عَرَفةَ لِغَيرِ الحاجِّ، وهو اليَومُ التاسِعُ من ذي الحِجَّةِ، وصَومُه يُكفِّرُ سَنتَيْن: سَنةً ماضيةً، وسَنةً مُستقبَلةً، لِما رَواه أبو قَتادةَ أنَّ النَّبيَّ قال: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ على اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ التي بَعْدَهُ» (١).


= السائِلَ إلى صيامِ التاسِعِ معه، وأخبَرَ رَسولُ اللَّهِ كما يَصومُه كذلك، فأمَّا أنْ يَكونَ فَعَل ذلك هو الأوْلَى، وأمَّا أنْ يَكونَ حَمَل فِعلَه على الأمرِ به وعَزمِه عليه في المُستقبَلِ، ويَدُلُّ على ذلك أنَّه هو الذي رَوى: صُوموا يَومًا قَبلَه ويَومًا بَعدَه، وهو الذي رَوَى: أمرَنا رَسولُ اللَّهِ بصيامِ يَومِ عاشوراءَ يَومَ العاشِرِ، وكُلُّ هذه الآثارِ عنه يُصدِّقُ بَعضُها بَعضًا، ويُؤيِّدُ بَعضُها بَعضًا.
فَمَراتِبُ صَومِه ثَلاثةٌ، أكمَلُها أنْ يَصومَ قَبلَه يَومًا وبَعدَه يَومًا، ويَلي ذلك أنْ يُصامَ التاسِعُ والعاشِرُ، وعليه أكثَرُ الأحاديثِ، ويَلي ذلك إفرادُ العاشِرِ وَحدَه بالصَّومِ.
وأمَّا إفرادُ التاسِعِ فمِن نَقصِ فَهمِ الآثارِ وعَدمِ تَتبُّعِ ألفاظِها وطُرُقِها وهو بَعيدٌ مِنَ اللُّغةِ والشَّرعِ، واللَّهُ المُوفِّقُ لِلصَّوابِ.
وقد سلَك بَعضُ أهلِ العِلمِ مَسلَكًا آخَرَ، فقال: قد ظهَر أنَّ القَصدَ مُخالَفةُ أهلِ الكِتابِ في هذه العِبادةِ مع الإتيانِ بها، وذلك يَحصُلُ بأحَدِ أمرَيْن، إمَّا يُنقَلُ العاشِرُ إلى التاسِعِ أو بصيامِهما مَعًا، وقَولُه: إذا كانَ العامُ المُقبِلُ صُمنا التاسِعَ، يَحتمِلُ الأمرَيْنِ فتُوُفِّي رَسولُ اللَّهِ قَبلَ أنْ يَتبيَّنَ لَنا مُرادُه فكان الِاحتِياطُ صيامَ اليَومَيْن مَعًا، والطَّريقةُ الَّتي ذَكَرناها أصوَبُ إنْ شاءَ اللَّهُ، ومَجموعُ أحاديثِ ابنِ عَباسٍ عليها تَدُلُّ لِأنَّ قَولَه في حَديثِ أحمدَ: خالِفوا اليَهودَ، صُوموا يَومًا قَبلَه أو يَومًا بَعدَه، وقَولُه في حَديثِ التِّرمِذيِّ: أُمِرنا بصيامِ عاشوراءَ، يَومَ العاشِرِ، يُبيِّنُ صِحَّةَ الطَّريقةِ الَّتي سَلَكناها، واللَّهُ أعلَمُ. «زادَ المَعاد» (٢/ ٦٦، ٧٧).
(١) رواه مسلم (١١٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>