للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعني إذا وجَبَ عليه الجِهادُ لم يُعتبَرْ إذْنُ والدَيْه؛ لأنَّه صارَ فَرضَ عَينٍ وصارَ تَركُه مَعصيةً، ولا طاعةَ لأحدٍ في مَعصيةِ اللهِ، وكذلك كلُّ ما وجَبَ مِثلَ الحَجِّ والصَّلاةِ في الجَماعةِ والجُمَعِ والسَّفرِ للعِلمِ الواجِبِ.

قالَ الأَوزاعيُّ: لا طاعةَ للوالِدَينِ في تَركِ الفَرائضِ والجُمَعِ والحَجِّ والقِتالِ؛ لأنَّها عِباداتٌ تَعيَّنت عليه، فلم يُعتبَرْ إذْنُ الأبوَينِ فيها كالصَّلاةِ.

ولأنَّ اللهَ تَعالى قالَ: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: ٩٧] ولم يَشترطْ إذْنَ الوَالدَينِ (١).

إلا أنَّ المالِكيةَ نَصُّوا على أنَّه إنْ كانَ فيه أهليةُ النَّظرِ جازَ له الخُروجُ بغيرِ إذنِهما، جاءَ في «بُلغةِ السالِكِ»: تَنبيهٌ: للوالدَينِ مَنعُ الوَلدِ من السَّفرِ لفَرضِ الكِفايةِ ولو عِلمًا، فلا يَخرجُ له إلا بإذنِهما حيثُ كانَ في بَلدِه مَنْ يُفيدُه، وإلا خرَجَ له بغيرِ إذنِهما إنْ كانَ فيه أَهليةُ النَّظرِ (٢).

الشَّرطُ الثامِنُ: عَدمُ الدِّينِ: اختَلفَ الفُقهاءُ فيمَن عليه دَينٌ هل له أنْ يَنفِرَ لجِهادِ الطَّلبِ بغيرِ إذْنِ غَريمِه أو لا؟

فقالَ الحَنفيةُ: وإذا أراد المَدينُ أنْ يَغزوَ وصاحِبُ الدَّينِ غائِبٌ؛ فإنْ كانَ عندَه وَفاءٌ بما عليه من الدَّينِ فلا بأسَ أنْ يَغزوَ ويُوصيَ إلى رَجلٍ ليَقضيَ دَينَه من تَرِكتِه إنْ حدَث به حَدثٌ، وإنْ لم يَكنْ عندَه وَفاءٌ بالدَّينِ فالأوْلى أنْ يُقيمَ فيَتمحَّلَ بقَضاءِ دَينِه؛ فإنْ غزا مع ذلك بغيرِ إذنِ رَبِّ الدَّينِ


(١) «المغني» (٩/ ١٧١).
(٢) «بلغة السالك» (٢/ ١٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>