للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هل عَقدُ المُساقاةِ لازِمٌ أو جائِزٌ؟

اختَلفَ الفُقهاءُ في عَقدِ المُساقاةِ هَلْ هو جائِزٌ مِنْ الطَّرفَيْنِ، فيَحِقَّ لِكُلٍّ مِنهما أنْ يَفسَخَه متى شاءَ؟ أو هو عَقدٌ لَازِمٌ لا يَحِقُّ لِأحَدٍ مِنهما أنْ يَفسَخَه إلَّا برِضا الآخَرِ؟

فذهبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ في المَشهورِ والشافِعيَّةُ والحَنابِلةُ في قَولٍ إلى أنَّ عَقدَ المُساقاةِ عَقدٌ لَازِمٌ مِنْ الجانبيْنِ قبلَ العَملِ وبَعدَه؛ كالإجارةِ؛ فليسَ لِأحَدِهِما فَسخُها بعدَ العَقدِ دونَ الآخَرِ، ما لَم يَتراضَيا عليه، إلَّا مِنْ عُذرٍ؛ لأنَّه لَو كانَ جائِزًا لَجازَ لربِّ المالِ فَسخُه إذا أدرَكَتِ الثَّمرةُ، فيَسقُطَ حَقُّ العامِلِ؛ ولأنَّه كالإجارةِ مِنْ حَيثُ وُرودِ العَقدِ على عَملٍ يَتعَلَّقُ بالعَينِ مع بَقائِها، فهو كَسائِرِ الإجاراتِ.

وَفي قَولٍ لِلمالِكيَّةِ: لا تَلزَمُ إلَّا بالعَملِ، لا بمُجرَّدِ العَقدِ، كالقِراضِ، قالَ القَرافيُّ : ولا يَصحُّ قِياسُها على القِراضِ؛ لأنَّ أرباحَ القِراضِ مَنوطةٌ بالأسواقِ، وهي غيرُ مُنضَبِطةٍ في مدَّةٍ مُعيَّنةٍ؛ فكانَتْ غايةُ النُّضوضِ المالَ، وغايةُ المُساقاةِ الجِدادَ، وما تَجَدَّدَ مِنْ المدَّةِ، ويَكونُ آخِرُها الجِدادَ، فلا يَختَلُّ مَقصودُها (١).


(١) «الذخيرة» (٦/ ١٠٥، ١٠٦)، و «المعونة» (٢/ ١٣٣)، و «مواهب الجليل» (٧/ ٣٦٩)، و «حاشية الصاوي على الشرح الصغير» (٨/ ٤٦٣)، و «بدائع الصنائع» (٦/ ١٨٧)، و «روضة الطالبين» (٣/ ٧٧٨)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٣٧٤)، و «نهاية المحتاج» (٥/ ٢٩٤)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٣١٠)، و «الديباج» (٢/ ٤٥٢)، و «المغني» (٥/ ٢٣٣)، و «الإنصاف» (٥/ ٤٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>