للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أثَرُ الرِّبا في العُقودِ وكُلِّ بَيعٍ مُحرَّمٍ والمَقبوضِ بعَقدٍ فاسِدٍ:

ذهَب عامَّةُ الفُقهاءِ إلى أنَّ العَقدَ الذي خالَطَه رِبًا مَردودٌ أبَدًا، ولا يَجوزُ بحالٍ، وأنَّ مَنْ أرْبَى يُنقَضُ عَقدُه ويُرَدُّ فِعلُه، وإنْ كانَ جاهِلًا؛ لأنَّه فِعَلُ ما حرَّمه الشارِعُ ونهَى عنه، والنَّهيُ يَقتَضي التَّحريمَ والفَسادَ.

والدَّليلُ على هذا: ما رَواه الإمامُ مالِكٌ في المُوطَّأِ عن يَحيَى بنِ سَعيدٍ أنَّه قالَ: أمَرَ رَسولُ اللَّهِ السَّعدَيْنِ أنْ يَبيعا آنيةً مِنْ المَغانِمِ مِنْ ذَهَبٍ أو فِضَّةٍ، فباعا كُلَّ ثَلاثةٍ بأربَعةٍ عَينًا، أو كُلَّ أربَعةٍ بثَلاثةٍ عَينًا، فقالَ لَهما رَسولُ اللَّهِ : «أربَيتُما؛ فَرُدَّا» (١).

قالَ الإمامُ ابنُ عَبدِ البَرِّ : وفي قَولِه: «أرْبَيُتما؛ فرُدَّا» دَليلٌ على أنَّ البَيعَ الحَرامَ مَردودٌ أبَدًا؛ فإنْ فاتَ رجَع فيه إلى القِيمةِ عندَ الفُقهاءِ (٢).

وقالَ الإمامُ ابنُ بطَّالٍ : وأجمَعَ العُلماءُ على أنَّ البَيعَ إذا وقَع مُحرَّمًا فهو مَفسوخٌ مَردودٌ؛ لقولِه : «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا على غيرِ أمرِنا فهو رَدٌّ». وقد رُويَ أنَّ رَسولَ اللَّهِ أمَرَ برَدِّ هذا البَيعِ مِنْ حَديثِ بِلالِ بنِ رَباحٍ ومِن حَديثِ أبِي سَعيدٍ الخُدريِّ، ورَوى مَنصورٌ وقَيسُ بنُ الرَّبيعِ عن أبي حَمزةَ، عن سَعيدِ بنِ المُسَيِّبِ، عن بِلالٍ قالَ: كانَ عِندي تَمرٌ دُونٌ؛ فابتَعتُ تَمرًا أجوَدَ مِنه فى السُّوقِ بنِصفِ كَيْلِه، صاعَيْنِ بصاعٍ؛ فأتَيتُ النَّبيَّ فحَدَّثتُه بما صَنَعتُ؛ فقالَ: «هذا الرِّبا


(١) رواه الإمام مالك في «الموطأ» (١٢٩٧) مرسلًا.
(٢) «الاستذكار» (٦/ ٣٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>