للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يَقومُ مَقامَ اللَّفظِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في الوَقفِ، هل يَحصلُ بالفِعلِ مع القَرائنِ الدَّالةِ عليهِ مثلَ أنْ يَبنيَ مَسجِدًا ويَأذنَ للنَّاسِ بالصلاةِ فيهِ، أو مَقبرةً ويَأذنَ في الدَّفنِ فيها، أو سِقايةً ويَأذنَ في دُخولِها أم لا؟

فذهَبَ الحَنفيةُ -على تَفصيلٍ مُطوَّلٍ عندَهُم سَيأتي- والمالِكيةُ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنه يَصيرُ بذلكَ وَقفًا وليسَ له الرُّجوعُ فيه، فيَحصلُ الوَقفُ بالفِعلِ المُقتَرِنِ بالقَرائنِ كالقَولِ؛ لأنَّ العُرفَ جارٍ بذلكَ وفيهِ دِلالةٌ على الوَقفِ، فجازَ أنْ يَثبتَ به كالقَولِ، وجرَى مَجرى مَنْ قَدَّمَ إلى ضَيفِه طَعامًا كانَ إذنًا في أكلِه، ومَن مَلأَ خابِيةَ ماءٍ على الطريقِ كانَ تَسبيلًا له، ومَن نثَرَ على الناسِ نِثارًا كانَ إذنًا في التِقاطِه وأُبيحَ أخذُه، وكذلكَ دُخولُ الحَمَّامِ واستِعمالُ مائِه مِنْ غيرِ إذنٍ مُباحٌ بدَلالةِ الحالِ.

قالَ الحَنفيةُ: مَنْ بَنى مَسجدًا لم يَزُلْ مِلكُه عنهُ حتى يَفرزَه عن مِلكِه بطَريقِه ويَأذنَ بالصَّلاةِ فيهِ، أمَّا الإفرازُ فلإنهُ لا يَخلُصُ للهِ إلا به؛ لأنه ما دامَ حقُّ العَبدِ مُتَعلِّقًا به لم يَتحرَّرْ للهِ، وأمَّا الصلاةُ فيهِ فلإنه يُشترطُ التَّسليمُ عندَ أبي حَنيفةَ ومُحمدٍ، وتَسليمُه أنْ يَأذنَ للناسِ بالصلاةِ فيه، فيَكونُ ذلكَ بمَنزلةِ القَبضِ، فإذا صَلَّوا فيه فكأنهُم قَبضُوهُ.

فإذا صَلَّى فيهِ واحِدٌ زالَ مِلكُه عندَ أبي حَنيفةَ ومُحمدٍ؛ لأنَّ فِعلَ كُلِّ الناسِ مُتعذِّرٌ، فيُشترطُ أدناهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>