وذهَبَ الحَنفيةُ إلى أنَّه لو ادَّعاه رَجلانِ أنَّه ابنُهما ولا بَينةَ لهما وكانَ أَحدُهما مُسلِمًا والآخرُ ذِميًّا فالمُسلِمُ أَولى ويُقضى له به؛ لأنَّه أَنفعُ للَّقيطِ (١).
الحالَةُ الثالِثةُ: أنْ تَدَّعيَه امرَأةٌ:
المَرأةُ إذا ادَّعَت نَسبَ وَلدٍ لَقيطٍ وأتَت ببَينةٍ على أنَّه وَلدُها فلا خِلافَ بينَ الفُقهاءِ على أنَّه يَلحقُها في النَّسبِ، إلا أنَّهم اختلَفُوا فيما لو ادَّعت ذلك بدونِ بَينةٍ، هل يُقبلُ قَولُها في ذلك ويَلحقُها نَسبُه أم لا؟ فهذا لا يَخلو مِنْ أَحدِ أَمرينِ:
الأَمرُ الأَولُ: أنْ تَكونَ بلا زَوجٍ:
اختَلفَ الفُقهاءُ في المَرأةِ غيرِ المُتزوِّجةِ إذا ادَّعَت نَسبَ وَلدٍ لَقيطٍ ولمْ تأتِ ببَينةٍ هل يَلحقُها في النَّسبِ أم لا؟
فذهَبَ أَشهبُ مِنْ المالِكيةِ والشافِعيةُ في قَولٍ والحَنابِلةُ في رِوايةٍ إلى أنَّ دَعواها تُقبلُ ويَلحقُها نَسبُه؛ لأنَّها أَحدُ الأَبوينِ فثبَتَ النَّسبُ بدَعواها كالأَبِ، ولأنَّه يُمكنُ أنْ يَكونَ منها كما يَكونُ وَلدُ الرَّجلِ بل أَكثرُ؛ لأنَّها تَأتي به مِنْ زَوجٍ ووَطءٍ بشُبهةٍ، ويَلحقُها وَلدُها مِنْ الزِّنا دونَ الرَّجلِ، ولأنَّ في قِصةِ داودَ وسُليمانَ ﵉ حينَ تحاكَمَ إليهما امرَأتانِ كانَ لهما ابنانِ فذهَبَ الذِّئبُ بأَحدِهما فادَّعَت كلُّ واحدةٍ منهما أنَّ الباقِيَ ابنُها
(١) «بدائع الصنائع» (٦/ ١٩٩)، و «الهداية» (٢/ ١٧٨)، و «الاختيار» (٣/ ٣٥)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ١٨٢)، و «الفتاوى الهندية» (٢/ ٢٨٦).