للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضَّربُ الثانِي: ألَّا يَستطيعَ أنْ يَردَّها على مالِكِها أو وَكيلِه:

اتَّفقَ الفُقهاءُ على أنه إذا لمْ يَجدْ ربَّها أو وَكيلَه وكانَ الحاكمُ ظالمًا أنَّ له أنْ يُودعَها عندَ أَجنبيٍّ، واختلَفُوا فيما إذا لمْ يَستطعِ المُودَعُ ردَّ الوَديعةِ على المالِكِ أو وَكيلِه معَ وُجودِ الحاكِمِ هل يَجوزُ له أنْ يُودعَها عندَ غيرِه أم لا؟

فذهَبَ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والحَنابِلةُ في قَولٍ إلى أنَّه يَجوزُ أنْ يُودعَها عندَ غيرِه معَ وُجودِ الحاكِمِ، إلا أنَّه لا يُصدَّقُ في الدَّفعِ إلى الغيرِ بسَببِ العُذرِ إلا ببَينةٍ.

فقالَ الحَنفيةُ: إذا كانَ هناك عُذرٌ بأنْ وقَعَ في دارِه حَريقٌ أو كانَ في السَّفينةِ فخافَ الغَرقَ ولمْ يَستطعْ أنْ يَردَّها على ربِّها أو مَنْ في عيالِه فدفَعَ الوَديعةَ إلى غيرِه فلا ضَمانَ عليه؛ لأنَّ الدَّفعَ إليه في هذه الحالةِ تعيَّنَ طَريقًا للحِفظِ، فكانَ الدَّفعُ بإِذنِ المالِكِ دَلالةً فلا يَضمنُ.

ولو أودَعَ غيرَه وادَّعى أنَّه فعَلَ عن عُذرٍ لا يُصدَّقُ على ذلك إلا ببَينةٍ عندَ أَبي يُوسفَ وهو قِياسُ قَولِ أَبي حَنيفةَ كذا ذكَرَ الشَّيخُ القُدوريُّ ؛ لأنَّ الدَّفعَ إلى غَيرِه سَببٌ لوُجوبِ الضَّمانِ في الأَصلِ، فدَعوى الضَّرورةِ دَعوى أَمرٍ عَارضٍ يُريدُ به دَفعَ الضَّمانِ عن نَفسِه فلا يُصدَّقُ إلا بحُجةٍ، هذا إذا هلَكَت الوَديعةُ في يدِ المُودَعِ الثانِي، فأما إذا استهلَكَها فالمالِكُ بالخيارِ، إنْ شاءَ ضمَّنَ الأَولَ وإنْ شاءَ ضمَّنَ الثانِي بالإِجماعِ، غيرَ أنَّه إنْ ضمَّنَ الأَولَ يَرجعُ بالضَّمانِ على الثانِي، وإنْ ضمَّنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>