للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا الحِيلةُ في استِدراكِ كلِّ أَمينٍ لظِلامتِه كالمُودَعِ إذا ردَّ الوَديعةَ التي دُفعَت إليه ببَينةٍ ولمْ يُشهدْ على رَدِّها، فهل يُقبلُ قَولُه في الرَّدِّ؟ فيه قَولانِ، هما رِوايتانِ عن الإِمامِ أَحمدَ، فإذا خافَ ألَّا يُقبلَ قَولُه فالحِيلةُ في تَخلُّصِه أنْ يَدعيَ تَلفَها مِنْ غيرِ تَفريطٍ، فإنْ حلَّفَه على ذلك فليَحلِفْ مُورِّيًا مُتأوِّلًا أنَّ تَلفَها مِنْ عندِه خُروجُها مِنْ تحتِ يدِه ونَظائرِ ذلك واللهُ أَعلمُ (١).

ردُّ الوَديعةِ عندَ طَلبِ صاحِبِها:

اتَّفقَ الفُقهاءُ على أنَّ ربَّ الوَديعةِ إذا طلَبَ وَديعتَه فيَجبُ على المُودَعِ ردُّها إليه إذا لمْ يَكنْ له عُذرٌ؛ لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: ٥٨].

وقالَ النَّبيُّ : «أدِّ الأَمانةَ إلى مَنْ ائتمَنَك، ولا تَخنْ مَنْ خانَكَ» (٢)، يَعني عندَ طَلبِها.

قالَ الإِمامُ ابنُ المُنذرِ : وأجمَعُوا على أنَّ الأَماناتِ مَردودةٌ إلى أَربابِها (٣).

ولأنَّها حَقٌّ لمالِكِها لمْ يَتعلَّقْ بها حَقُّ غيرِه فلزِمَ أَداؤُها إليه كالمَغصوبِ والدَّينِ الحالِّ، فإنِ امتنَعَ مِنْ دَفعِها في هذه الحالِ فتلِفَت ضمِنَها؛ لأنَّه صارَ غاصِبًا لكَونِه أمسَكَ مالَ غيرِه بغيرِ إِذنِه بفِعلٍ مُحرَّمٍ.


(١) «إعلام الموقعين» (٤/ ٨).
(٢) رواه الإمام أحمد في «مسنده» (١٥٤٦٢)، وأبو داود (٣٥٣٤).
(٣) «الإجماع» (٥٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>