للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولاً: ظِهارُ الذِّميِّ:

اختَلفَ الفُقهاءُ فيما لو ظاهَرَ الذِّميُّ ثمَّ أسلَمَ، هل يَلزمُه الظِّهارُ أم لا؟

فذهَبَ الحَنفيةُ والمالِكيةُ إلى أنه لا يَصحُّ الظِّهارُ مِنْ الذِّميِّ كما لا يَلزمُه كلُّ يَمينٍ كانَتْ مِنْ طَلاقٍ أو عِتاقٍ أو صَدقةٍ أو نَذرٍ أو شَيءٍ مِنْ الأشياءِ إذا أَسلَمَ؛ لقَولِه تَعالى: ﴿الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ﴾ [المجادلة: ٢]، والخِطابُ للمُؤمنِينَ، فيَدلُّ على اختِصاصِ الظِّهارِ بالمُؤمنينَ، وليسَ الكافِرُ مِنَّا، فخرَجَ مِنْ حُكمِ الظِّهارِ، وقالَ تَعالى: ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا﴾ [المجادلة: ٢]، فجعَلَه بالظِّهارِ قائلًا مُنكَرًا وزُورًا، والكافِرُ قائلٌ بالشِّركِ وجَحدِ النُّبوَّةِ وهو أعظَمُ وأغلَظُ، ثمَّ قالَ: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٢)[المجادلة: ٢]، والكافرُ لا يَتوجَّهُ مثلُ هذا الخِطابِ إليهِ، ثمَّ أمَرَ المُظاهِرَ بالكفَّارةِ، وهي عِتقُ رَقبةٍ، وهي لا تَصحُّ مِنْ الكافرِ؛ لأنَّ الرَّقبةَ التي يُعتقُها يَجبُ أنْ تَكونَ مُؤمِنةً، والكافرُ لا يَملكُ عَبدًا مُسلمًا.

ثمَّ قالَ تَعالى: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ﴾ [المجادلة: ٤]، والصَّومُ لا يَصحُّ مِنْ الكافِرِ، فدَلَّتْ هاتانِ الآيَتانِ على خُروجِ الكافرِ مِنها.

ولأنَّ التكفيرَ لا يَصحُّ منه، فلا يَصحُّ الظِّهارُ، والدَّليلُ على أنَّ التكفيرَ لا يَصحُّ منه مع ما تَقدَّمَ ذِكرُه مِنْ الآيةِ بأنها عِبادةٌ تَفتقرُ إلى النِّيةِ، فلم تَصحَّ مِنْ الكافرِ كالزَّكاةِ، ولأنَّ التكفيرَ تَغطيةٌ للذَّنبِ وإسقاطٌ للمَأثمِ، وهذا لا يَصحُّ مِنْ الكافرِ، ولأنَّ مَنْ لم يَصحَّ منه التكفيرُ لم يَصحَّ منه الظِّهارُ كالمَجنونِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>