اختَلفَ الفُقهاءُ فيما إذا أفاق المَجنونُ بعدَ مُضيِّ الشَّهرِ، هل يَلزَمُه القَضاءُ أو لا؟
فذهَب المالِكيَّةُ والشافِعيَّةُ في القَديمِ وأحمدُ في رِوايةٍ إلى أنَّه يَلزَمُه قَضاءُ ما مَضى، وإنْ مَضى عليه سُنونَ: لأنَّ الجُنونَ لا يَمنَعُ وُجوبَ الصَّومِ، وإنَّما يَمنَعُ أداءَه، فإذا أفاقَ لَزِمه قَضاؤُه؛ ولِعُمومِ قَولِ اللهِ تَعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: ١٨٧]، وهذا شاهِدٌ لِلشَّهرِ مَريضًا، فلَزِمه عِدَّةٌ من أيامٍ أُخَرَ، ولأنَّ الجُنونَ لا يُنافي وُجوبَ الصَّومِ؛ لأنَّه مَعنًى يُزيلُ العَقلَ حالَ الحياةِ، فلم يَمنَعْ وُجوبَ الصَّومِ، كحالِ الإغماءِ والنَّومِ والسُّكرِ.
وذهَب الحَنفيَّةُ والشافِعيَّةُ في المَذهبِ والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّه لا يَلزَمُه قَضاءُ ما مَضى؛ لأنَّه صَومٌ فاتَ في حالٍ سقَط فيه التَّكليفُ لِنَقصٍ، فلم يَجِبْ قَضاؤُه، كما لو فات في حالِ الصِّغَرِ والكُفرِ.
قال الحَنفيَّةُ: هذا فيما إذا كان الجُنونُ مُستوعِبًا بأنْ جُنَّ قبلَ دُخولِ شَهرِ رَمضانَ وأفاقَ بعدَ مُضيِّه فلا قَضاءَ عليه (١).
(١) «البدائع» (٢/ ٦١٤، ٦١٥)، و «شرح فتح القدير» (٢/ ٣٦٦، ٣٦٩)، و «المبسوط» (٣/ ٨٨)، و «بلغة السالك» (١/ ٤٠٥)، و «الإشراف» (٢٠٥، ٢٠٦)، و «المجموع» (٧/ ٤١٦)، و «المغني» (٤/ ٢١٩، ٢٢٠)، و «الإفصاح» (١/ ٤٢٠).