حقيقةُ الخُلعِ: هل هو فَسخٌ أم طَلاقٌ بائِنٌ؟
اختَلفَ الفُقهاءُ في حَقيقةِ الخُلعِ، هل هو فَسخٌ للنِّكاحِ، فإذا خالَعَ زوْجتَه ثمَّ تَزوَّجَها بعدَ ذلكَ عادَتْ بكامِلِ الطَّلقاتِ؟ أم هوَ طلاقٌ بائِنٌ، فإذا خالَعَها مرَّةً حُسبَتْ طَلقةً فيَنقصُ بها عَددُ طلاقِه، فإذا تَزوَّجَها بعدَ ذلكَ عادَتْ إليهِ بطَلقتَينِ، وإنْ خالَعَها ثلاثًا طَلُقَتْ ثلاثًا؟
فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالكيَّةُ والشَّافعيةُ في المَذهبِ والحَنابلةُ في رِوايةٍ إلى أنَّ الخُلعَ طلاقٌ بائِنٌ يَنقصُ بهِ العَددُ كلَفظِ الطَّلاقِ، فيكونُ تَطليقةً بائِنةً، إلَّا إذا سَمَّى ثلاثًا أو نَوَى الثَّلاثَ؛ لأنَّه لفظٌ لا يَملكُه غيرُ الزَّوجِ، فوجَبَ أنْ يكونَ طلاقًا، كما لو قالَ: «أنتِ طالِقٌ على ألفٍ»؛ ولأنَّ اللهَ تعالَى ذكَرَه بينَ طلاقَينِ في قولِه: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٢٩)﴾ [البقرة: ٢٢٩]، فلمَّا ذكَرَ الخُلعَ بيْنَ طلاقَينِ عُلِمَ أنَّه مُلحَقٌ بهما.
ولأنَّ الفَسخَ ما كانَ عن سَببٍ مُتقدِّمٍ كالعُيوبِ، والخُلعُ يكونُ مُبتدَأً مِنْ غيرِ سَببٍ، فكانَ طلاقًا؛ لأنَّه يَكونُ مِنْ غَيرِ سَببٍ أَولَى مِنْ أنْ يكونَ فَسخًا لا يكونُ إلَّا عَنْ سَببٍ، ولأنَّ الفَسخ يُوجِبُ استِرجاعَ البَدلِ كالفَسخِ في البَيعِ، فلو كانَ الخُلعُ فسخًا لَمَا جازَ إلَّا بالصَّداقِ، وفي جَوازِه بالصَّداقِ وغيرِه دليلُ خُروجِه عنِ الفَسخِ ودُخولِه في الطَّلاقِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute