للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلبادي أنَّه يُفسَخُ بَيعُه، وكذلك رَوى عيسى عن ابنِ القاسِمِ قالَ: وإنْ فاتَ فلا شَيءَ عليه (١).

عِلَّةُ النَّهيِ:

قالَ ابنُ رُشدٍ : والَّذينَ مَنَعوه اتَّفَقوا على أنَّ القَصدَ بهذا النَّهيِ هو إرفاقُ أهلِ الحَضَرِ؛ لأنَّ الأشياءَ عندَ أهلِ الباديةِ أيسَرُ مِنْ أهلِ الحاضِرةِ، وهي عندَهم أرخَصُ، بَلْ أكثَرُ ما يَكونُ مَجَّانًا عندَهم -أي: بغيرِ ثَمَنٍ-، فكَأنَّهم رَأوْا أنَّه يُكرَهُ أنْ يَنصَحَ الحَضَريُّ لِلبَدَويِّ، وهذا مُناقِضٌ لقولِه : «الدِّينُ النَّصيحةُ»، وبِهذا تَمسَّكَ في جَوازِه أبو حَنيفةَ.

وحُجَّةُ الجُمهورِ حَديثُ جابرٍ عندَ مُسلِمٍ، وأبي داوُدَ، قالَ: قالَ رَسولُ اللَّهِ : «لا يَبِعْ حاضِرٌ لِبادٍ، دَعُوا النَّاسَ يَرزُقُ اللَّهُ بَعضَهم مِنْ بَعضٍ»، وهذه الزِّيادةُ انفَرَدَ بها أبو داوُدَ فيما أحسَبُ.

والأشبَهُ أنْ يَكونَ مِنْ بابِ غَبنِ البَدَويِّ؛ لأنَّه يَرِدُ والسِّعرُ مَجهولٌ عندَه، إلَّا أنْ تَثبُتَ هذه الزِّيادةُ، ويَكونُ على هذا مَعنَى الحَديثِ مَعنَى النَّهيِ عن تَلَقِّي الرُّكبانِ على ما تَأوَّلَه الشافِعيُّ: إذا وقَع فقد تَمَّ وجازَ البَيعُ؛ لقولِه : «دَعُوا النَّاسَ يَرزُقُ اللَّهُ بَعضَهم مِنْ بَعضٍ» (٢).

وقالَ ابنُ قُدامةَ : والمَعنَى في ذلك أنَّه مَتَى تُرِكَ البَدَويُّ يَبيعُ سِلعَتَه اشتَراها النَّاسُ برُخصٍ، ويُوسَّعُ عليهم السِّعرُ؛ فإذا تَولَّى الحاضِرُ


(١) «التمهيد» (١٨/ ١٩٤، ١٩٥)، و «الاستذكار» (٦/ ٥٢٩).
(٢) «بداية المجتهد» (٢/ ١٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>