مِنْ شَرطِ صحَّتِه إلزامُ كَفِّهم عن المسلمينَ، وهؤلاءِ يَشتَرِطونَ عليهِم قتالَ المُسلمينَ، فلا يَصحُّ، ولأهلِ العَدلِ قِتالُهم كمَن لم يُؤمِّنوهُ سواءٌ، وحُكمُ أسيرِهم حُكمُ أسيرِ سائرِ أهلِ الحَربِ قبلَ الاستِعانةِ بهم، ويَتخيَّرُ الإمامُ فيمَن أسَرَ منهُم بينَ القتلَ والمَنِّ والاستِرقاقِ والفِداءِ؛ لأنَّ شرْطَ صِحةِ العقدِ لهم أنْ لا يُقاتِلوا المُسلمينَ، فإذا وقَعَ العقدُ على شَرطِ قتالِ المُسلمينَ لم يَصحَّ؛ لأنَّ أمانَهم لو كانَ صَحيحًا فقاتَلوا المُسلمينَ انتَقضَ أمانُهم، فإذا وقَعَ أمانُهم على شَرطِ قتالِ المُسلمينَ لم يَصحَّ، وما أتلَفوا على أهلِ العَدلِ نَفسًا أو مالًا لم يَجبْ عليهِم ضَمانُه، كما لو قاتَلوا المُسلمينَ مُنفردينَ.
فأما أهلُ البَغيِ فلا يَجوزُ لهم قَتلُهم؛ لأنهم آمَنوهُم، فلا يجوزُ لهم الغَدرُ بهم عندَ الشافِعيةِ في وَجهٍ والحَنابلةِ.
وقالَ الشافِعيةُ في الوَجهِ الثاني: لا يَكونونَ في أمانٍ منهم؛ لأنَّ مَنْ لم يَصحَّ أمانُه في حقِّ بعضِ المُسلمينَ لم يَصحَّ في حقِّ بعضِهم، كمَن أمَّنَه صَبيٌّ أو مَجنونٌ.
الصِّنفُ الثاني: المُستأمنونَ: فمَتى استعانُوا بهم فأعانُوهم نَقضُوا عهْدَهم وصارُوا كأهلِ الحَربِ؛ لأنهُم تَرَكوا الشرطَ وهو كَفُّهم عن المسلمينَ، فإنْ فَعَلوا ذلكَ مُكرَهينَ لم يَنتقضْ عهدُهم؛ لأنَّ لهم عُذرًا، وإنِ ادَّعَوا الإكراهَ لم يُقبلْ قَولُهم إلا ببيِّنةٍ؛ لأنَّ الأصلَ عَدمُه، فإنْ أقاموا لم يَنتقضْ عَهدُهم كما نَصَّ على ذلكَ الشافِعيةُ والحَنابلةُ.