للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبقَولِ أبي حَنيفةَ قالَ الشافِعيُّ وأحمدُ في وَجهٍ؛ لأنَّ قَولَه غيرُ مُعتبَرٍ كطَلاقِه وعِتاقِه، وبقَولِ مُحمدٍ قالَ مالِكٌ وأحمدُ وإنْ كانَ مَأذونًا له في القِتالِ فالأصَحُّ أنَّه يَصحُّ بالاتِّفاقِ بينَ أصحابِنا وبه قالَ مالِكٌ وأحمدُ؛ لأنَّه تَصرُّفٌ دائِرٌ بينَ النَّفعِ والضَّررِ فيَملِكُه الصَّبيُّ المَأذونُ، والمُرادُ بكَونِه يَعقِلُ أنْ يَعقِلَ الإسلامَ ويَصِفَه، وأضافَ أبا يُوسفَ إلى أبي حَنيفةَ في «السِّيرِ الكَبيرِ» في عَدمِ الصِّحةِ، وإنَّما قالَ المُصنِّفُ: والأصَحُّ واللهُ أعلَمُ؛ لأنَّه أطلَقَ المَنعَ في الصَّبيِّ المُراهِقِ عن أبي حَنيفةَ كما نقلَه الناطِفيُّ في الأجناسِ ناقِلًا عن «السِّيرِ الكَبيرِ»، فقالَ: قالَ مُحمدٌ: الغُلامُ الذي راهَقَ الحُلُمَ وهو يَعقِلُ الإسلامَ ويَصِفُه جازَ له أمانُه، ثم قالَ: وهذا قَولُه، فأمَّا عندَ أبي حَنيفةَ وأبي يُوسفَ فلا يَجوزُ، وكذا وقَعَ الإطلاقُ في كِفايةِ البَيهَقيِّ فقالَ: لا يَجوزُ أمانُ الصَّبيِّ المُراهِقِ ما لم يَبلُغْ، وعندَ أبي حَنيفةَ وعندَ مُحمدٍ يَجوزُ إذا كانَ يَعقِلُ الإسلامَ وصِفاتِه، وكذا المُختلِطُ العَقلُ؛ لأنَّه من أهلِ القِتالِ كالبالِغِ، إلا أنَّه يُعتبَرُ كَونُه مُسلمًا بنَفسِه، فهذا كما تَرى إجراءٌ للخِلافِ في الصَّبيِّ مُطلَقًا، فقالَ المُصنِّفُ: والأصَحُّ التَّفصيلُ بينَ كَونِ العاقِلِ مَحجورًا عن القِتالِ أو مَأذونًا له فيه، ففي الثانِي لا خِلافَ في صِحةِ الأمانِ (١).

حُكمُ أمانِ الأسيرِ والتاجِرِ في دارِ الحَربِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في حُكمِ أمانِ الأسيرِ والتاجِرِ في دارِ الحَربِ؛ هل يَلزمُ سائِرَ المُسلِمينَ أو يَلزمُه هو وَحدَه إذا عَقدَه غيرَ مُكرَهٍ؟


(١) «شرح فتح القدير» (٥/ ٤٦٨)، وانظر: المَصادِر السَّابقَة.

<<  <  ج: ص:  >  >>