للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَسألةُ الثانيةُ: إِجارةُ العينِ المُستَعارةِ:

ذهَبَ جُمهورُ الفَقهاءِ الحَنفيةِ والمالِكيةِ والشافِعيةِ والحَنابلةِ في المَذهبِ إلى أنَّه لا يَصحُّ إِجارةُ العينِ المُستعارةِ؛ لأنَّ العاريةَ غيرُ لازمةٍ في الأصلِ، والإِجارةُ لازمةٌ، فإنْ آجرَها فتلِفَت ضمِنَ؛ لأنَّه صارَ غاصبًا لتعدِّيه، ولأنَّ الإِعارةَ دونَ الإِجارةِ، والشيءُ لا يَتضمَّنُ ما فوقَه، ولأنَّ مُقتضَى العارِيةِ الرُّجوعُ، وتعلُّقُّ حقُّ المُستأجِرِ بها يَمنعُ ذلك، فلهذا لَم يَجزْ.

قالَ الإمامُ ابنُ هُبيرةَ : واتَّفقوا على أنَّه لا يَجوزُ للمُستَعيرِ أنْ يُؤجِّرَ ما استَعاره (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ : وليسَ له- أيْ للمُستَعيرِ- أنْ يُؤجِّرَه؛ لأنَّه لَم يَملِكِ المَنافعَ فلا يَصحُّ أنْ يَملِّكَها، ولا نَعلمُ في هذا خِلافًا (٢).

قالَ الحَنفيةُ: لا تَجوزُ إِجارةُ العارِيةِ ولا رَهنُها، فإنْ آجرَها المُستَعيرُ ضمِنَ حينَ سلَّمَها لأنَّه صارَ غاصبًا بتَعدِّيه، وإنْ شاءَ المُعيرُ ضمَّنَ المُستأجِرَ لأنَّه قبَضَها بغيرِ إذنِ المالكِ، ثُم إنْ ضمَّنَ المُستَعيرُ لا يَرجعُ على المُستأجِرِ؛ لأنَّه ظهَرَ أنَّه آجرَ ملكَه، وإنْ ضمَّنَ المُستأجِرَ رجَعَ على المُؤجرِ إذا لَم يَعلمْ أنَّه عاريةٌ في يدِه دفعًا لضَررِ الغُرورِ، بخِلافِ ما إذا علِمَ (٣).


(١) «الإفصاح» (٢/ ٤).
(٢) «المغني» (٥/ ١٣٢).
(٣) «الجوهرة النيرة» (٤/ ١٧٠)، و «اللباب» (١/ ٦٥٣)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ١٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>