للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الآبِيُّ : لا يَحِلُّ ما يَأخُذُه الذي يَكتُبُ البَراءةَ لِرَدِّ الضَّائِعِ؛ لأنَّه مِنْ السِّحرِ، ثم قالَ: وما يُؤخَذُ على المَعقودِ؛ فإنْ كانَ يَرقِيهِ بالرُّقَى العَرَبيةِ جازَ، وإنْ كانَ بالرُّقَى العجَميَّةِ امتُنِعَ، وفيه خِلافٌ، وكانَ الشَّيخُ -يَعني ابنَ عَرفةَ- يَقولُ: إنْ تَكرَّر مِنه النَّفعُ فذلك جائِزٌ (١).

وأمَّا الشَّافِعيَّةُ فقالَ منهم ابنُ حَجَرٍ الهَيتَميُّ : وعَنِ ابنِ أبي زَيدٍ أيضًا: لا يَجوزُ الجُعلُ على إخراجِ الجانِّ مِنْ الإنسانِ؛ لأنَّه لا يُعرَفُ حَقيقَتُه، ولا يُوقَفُ عليه، ولا يَنبَغي لِأهلِ الوَرَعِ فِعلُه، ولا لِغيرِهم، وكذا الجُعلُ على حَلِّ المَربوطِ والمَسحورِ (٢).

سادِسًا: الجُعلُ على مُداوةِ المَريضِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في حُكمِ مُشارَطةِ الطَّبيبِ على البُرءِ، هَلْ يَصحُّ أو لا؟

فَذهَب الحَنابِلةُ في المَذهبِ -والظَّاهِريَّةُ- إلى أنَّه لا يَصحُّ مُشارَطةُ الطَّبيبِ على البُرءِ أصْلًا؛ لأنَّه بيَدِ اللَّهِ تَعالى، لا بيَدِ أحَدٍ، وإنَّما الطَّبيبُ مُعالِجٌ ومُقَوٍّ لِلطَّبيعةِ بما يُقابِلُ الدَّاءَ، ولا يَعرِفُ كَمِّيَّةَ قُوَّةِ الدَّواءِ مِنْ كَمِّيَّةِ قُوةِ الدَّاءِ، فالبُرءُ لا يَقدِرُ عليه إلَّا اللَّهُ تَعالى، فإنْ أُعطِيَ شَيئًا عندَ البُرءِ بغيرِ شَرطٍ فحَلَالٌ؛ لِأمْرِ النَّبيِّ بأخْذِ ما أُعطِيَ المَرءُ مِنْ غيرِ مَسألةٍ.

وقالَ الحَنابِلةُ: ما يَتعَدَّى نَفْعُه، كالأذانِ ونحوِه، كَتَعليمِ فِقهٍ وقُرآنٍ وقَضاءٍ وإفتاءٍ ورُقيَةٍ، يَجوزُ؛ لِحَديثِ أبي سَعيدٍ في الرُّقيَةِ، وقَد تَقدَّم.


(١) «حاشية الصاوي على الشرح الصغير» (٨/ ٤٧٢).
(٢) «الفتاوى الحديثية» (١/ ٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>