للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقفُ الحُليِّ للزِّينةِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في حُكمِ وَقفِ الحُلِيِّ للتَّزيينِ:

فذهَبَ الشافِعيةُ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى صِحةِ وَقفِ الحُلِيِّ لغَرضِ اللبْسِ.

قالَ ابنُ قُدامةَ : أمَّا الحُليُّ فيَصحُّ وَقفُه لِلبْسِ والعارِيةِ؛ لِما رَوى نافعٌ قالَ: «ابتاعَتْ حَفصةُ حُليًّا بعِشرينَ ألفًا فحَبسَتْه على نِساءِ آلِ الخطَّابِ، فكانَتْ لا تُخرِجُ زَكاتَه» رَواهُ الخلَّالُ بإسنادِه، ولأنه عَينٌ يُمكِنُ الانتفاعُ بها مع بَقائِها دائِمًا، فصَحَّ وَقفُها كالعَقارِ؛ لأنه يَصحُّ تَحبيسُ أصلِها وتَسبيلُ الثَّمرةِ، فصَحَّ وَقفُها كالعَقارِ، وبهذا قالَ الشافِعيُّ.

وقد رُويَ عن أحمَدَ أنه لا يَصحُّ وَقفُها، وأنكَرَ الحَديثَ عن حَفصةَ في وَقفِه، وذكَرَه ابنُ أبي مُوسى، إلا أنَّ القاضيَ تَأوَّلَه على أنه لا يَصحُّ الحَديثُ فيهِ، ووَجهُ هذه الرِّوايةِ أنَّ التَّحليَ ليسَ هو المَقصودَ الأصليَّ مِنْ الأثمانِ، فلمْ يَصحَّ وَقفُها عليه، كما لو وقَفَ الدَّنانيرَ والدَّراهمَ، والأولُ هو المَذهبُ؛ لِما ذكَرْناهُ، والتحلِّي مِنْ المَقاصدِ المُهمةِ والعادةُ جارِيةٌ به، وقد اعتَبَرهُ الشَّرعُ في إسقاطِ الزَّكاةِ عن مُتَّخِذِه وجوَّزَ إجارَتَه لذلكَ، ويُفارِقُ الدَّراهمَ والدَّنانيرَ؛ فإنَّ العادَةَ لم تَجْرِ بالتحلِّي به ولا اعتبَرَهُ الشَّرعُ في إسقاطِ زَكاتِه ولا ضَمانِ نَفعِه في الغَصبِ، بخِلافِ مَسألتِنا (١).


(١) «المغني» (٥/ ٣٧٣، ٣٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>