للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجَمعُ بينَهُما يُمكنُ إذا رُفعَ دليلُ الخِطابِ مِنْ ذلكَ، فإنْ كانَ الجَمعُ واجبًا ومُمكِنًا فالمَصيرُ إلى الحَديثِ الثاني واجِبٌ، والجُمهورُ على أنَّ الجَمعَ واجِبٌ إذا أمكَنَ، وأنه أَولى مِنْ التَّرجيحِ.

وأيضًا فإنَّ اللهَ ﷿ يَقولُ: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: ٢٩]، وإذا عُرضَ على المُكلَّفِ فِداءُ نَفسِه بمالٍ فواجِبٌ عليهِ أنْ يَفديَها، أصلُه إذا وجَدَ الطَّعامَ في مَخمصةٍ بقِيمةِ مِثلِه وعندَه ما يَشتريهِ، أعني أنه يُقضَى عليهِ بشِرائهِ، فكيفَ بشراءِ نَفسهِ؟! ويَلزمُ على هذهِ الرِّوايةِ إذا كانَ للمَقتولِ أولياءُ صِغارٌ وكِبارٌ أنْ يُؤخرَ القتلُ إلى أنْ يَكبَرَ الصغارُ فيَكونَ لهُم الخيارُ، ولا سيَّما إذا كانَ الصغارُ يَحجبونَ الكِبارَ مثلَ البَنينَ مع الإخوةِ.

قالَ القاضي: وقد كانَتْ وقَعَتْ هذه المَسألةُ بقُرطبةَ حَياةَ جَدِّي ، فأفتَى أهلُ زَمانِه بالرِّوايةِ المَشهورةِ، وهو أنْ لا يُنتظرَ الصغيرُ، فأفتَى هو بانتِظارِه على القِياسِ، فشنَّعَ أهلُ زَمانِه ذلكَ عليهِ لِمَا كانُوا عليهِ مِنْ شِدةِ التَّقليدِ، حتى اضطرَّ أنْ يَضعَ في ذلكَ قولًا يَنتصرُ فيه لهذا المَذهبِ، وهو مَوجودٌ بأيدي الناسِ (١).

دِيَةُ العَمدِ في مالِ الجانِي:

إذا أُخذَتِ الدِّيةُ في القتلِ العَمدِ فهي مِنْ مالِ الجانِي بالإجماعِ؛ لقَولِ ابنِ عبَّاسٍ : «لا تَحمِلُ العاقِلةُ عَمدًا، ولا عَبدًا، ولا صُلحًا، ولا اعتِرافًا» (٢).


(١) «بداية المجتهد» (٢/ ٣٠١).
(٢) حَدِيثٌ حَسَنٌ: رواه البيهقي (٨/ ١٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>