للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُكمُ الوَعدِ المُلزِمِ في بَيعِ المُرابَحةِ:

تَعريفُ الوَعدِ:

الوَعدُ لُغةً: يَدلُّ على تَرجيةٍ بقَولٍ، يُقالُ: وَعَدتُه أعِدُه وَعدًا، ويُستعمَلُ في الخَيرِ حَقيقةً، وفي الشَّرِّ مَجازًا، فأمَّا الوَعيدُ فلا يَكونُ إلَّا بشَرٍّ، يَقولونَ: أوعَدتُه بكذا (١).

والوَعدُ: العَهدُ، والعِدَةُ في اصطِلاحِ الفُقهاءِ: ليسَ فيها إلزامُ الشَّخصِ نَفْسَه شَيئًا الآنَ، وإنَّما هي -كما قالَ ابنُ عَرَفةَ-: إخبارٌ عن إنشاءِ المُخبِرِ مَعروفًا في المُستقبَلِ (٢).

والفَرقُ بينَ ما يَدلُّ على الِالتِزامِ، وما يَدلُّ على العِدَةِ: هو ما يُفهَمُ مِنْ سياقِ الكَلامِ وقَرائِنِ الأحوالِ. والظاهِرُ مِنْ صِيغةِ المُضارِعِ: الوَعدُ، مثلَ: أنا أفعَلُ، إلَّا أنْ تَدُلَّ قَرينةٌ على الِالتِزامِ، كما يُفهَمُ مِنْ كَلامِ ابنِ رُشدٍ، وذلك مثلَما لو سَألَكَ مَدينٌ أنْ تُؤخِّرَه إلى أجَلِ كذا؛ فقُلتَ: أنا أُؤخِّرُكَ؛ فهو عِدَةٌ، ولو قُلتَ: قد أخَّرتُكَ؛ فهو التِزامٌ (٣).


(١) «معجم مقاييس اللغة» (٦/ ١٢٥) مادة (وَعَدَ).
(٢) «المختصر الفقهي» لابن عرفة (١٣/ ١٧٦).
(٣) يُنظر: «فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك» للشيخ عليش (١/ ٢٥٧). قال: [الفرقُ بينَ ما يدُلُّ على الِالتزَامِ وما يدُلُّ على العِدَةِ] (تَنبِيه) وأمَّا الفَرقُ بينَ ما يدُلُّ على الِالتزَامِ وما يدُلُّ على العِدَةِ فالمَرجعُ فيه إنَّما هو إلى ما يُفهم مِنْ سِياقِ الكَلامِ وقَرائنِ الأحوالِ بحيثُ دلَّ الكَلامُ على الِالتزَامِ؛ ولهذا قال الشَّيخُ خَليلٌ في مُختصَرِه في بابِ الخَلع: ولزِمت البَينونةُ إن قال: «إن أعْطيتَني ألفًا فارقتُك أو أفارِقُك»، إن فهِم الِالتزَامَ أو الوَعدَ إن ورَّطها، فالشَّرطُ في قولِه إن ورَّطها راجِعٌ إلى الوَعدِ. قال في «التَّوضيح»: كما لو باعَت قُماشًا أو كسرَت حُليَّها واللهُ تَعالى أَعلمُ، ولا يُفرَّقُ بينَ العِدَةِ والِالتزَامِ بصِيغةِ الماضِي والمُضارعِ كما قد يَتبادَرُ للفَهمِ من كلَامِ ابنِ رُشدٍ في رَسمِ حلف مِنْ سَماع عِيسى من كِتابِ الأيمانِ بالطَّلاقِ وسَيأتي في البابِ الثَّالثِ إن شاءَ اللهُ تَعالى ذِكرُه بتَمامِه فإن الِالتِزامَ قد يَكونُ بِصيغةِ المُضارعِ إذا دلَّت القَرائنُ عليه كما يُفهمُ مِنْ كَلامِ الشَّيخ خَليل المَاضي في مَسألَةِ الخَلعِ، ومِن كَلامِ ابنِ رُشدٍ المُتقدِّمِ قَريبًا، ومِن كَلام أصبغَ الآتي في الفَرعِ بعدَ هذا، نَعم صِيغةُ الماضِي دالَّةٌ على الِالتزَامِ وإِنفاذِ العَطيَّةِ، والظاهرُ مِنْ صِيغةِ المُضارعِ الوَعدُ إلا أن تدُلَّ قَرينةٌ على الِالتزَامِ كما يُفهمُ من كَلامِ ابنِ رُشدٍ فتأمَّلْه واللهُ تَعالى أَعلمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>