وأمَّا الجَوابُ عن قَولِهم أنَّه مُتَّهَمٌ في إِقرارِه فهو أنَّه لو لزِمَ لهذا المَعنى فَسادُ إِقرارِه كالدَّعوى استَوى ما أقَرَّ به في الصِّحةِ والمَرضِ في الإِبطالِ، كما استَوى حالُ ادِّعائِه لنَفسِه في الصِّحةِ والمَرضِ في الرَّدِّ على أنَّ المَريضَ أبعَدُ عن التُّهمةِ مِنْ الصَّحيحِ؛ لأنَّها حالٌ يَجتَنِبُ الإِنسانُ فيها المَعاصيَ ويُخلِصُ الطّاعةَ، ولذلك قالَ أبو بَكرٍ ﵁ في عَهدِه إلى عُمرَ، وهذا ما عَهِدَ به أبو بَكرٍ خَليفةُ رَسولِ اللهِ عندَ آخِرِ عَهدِه بالدُّنيا وأوَّلِ عَهدِه بالآخِرةِ في الحالِ التي يُؤمِنُ فيها الكافِرُ ويَتَّقي فيها الفاجِرُ.
ولأنَّ العُلَماءَ أجمَعوا على أنَّه إذا أوصَى رَجُلٌ لوارِثِه بوَصيةٍ وأقَرَّ له بدَينٍ في صحَّتِه ثم رجَعَ عنه؛ أنَّ رُجوعَه عن الوَصيةِ جائِزٌ، ولا يَقبَلُ رُجوعَه عن الإِقرارِ (١).
الحِيلةُ في جَوازِ الإِقرارِ للوارِثِ في مَرضِ المَوتِ:
قالَ الإمامُ ابنُ القَيِّمِ ﵀: إِقرارُ المَريضِ لوارِثِه بدَينٍ باطِلٍ عندَ الجُمهورِ للتُّهمةِ، فلو كانَ له عليه دَينٌ ويُريدُ أنْ تَبرأَ ذمَّتُه منه قبلَ المَوتِ وقد علِمَ أنَّ إِقرارَه له باطِلٌ فكيفَ الحيلةُ في بَراءةِ ذِمَّتِه ووُصولِ صاحِبِ الدَّينِ إلى مالِه فههنا وُجوهٌ:
أحَدُها: أنْ يَأخذَ إِقرارَ باقي الوَرثةِ بأنَّ هذا الدَّينَ على المَيِّتِ فإنَّ الإِقرارَ إنَّما بطَلَ لحَقِّهم فإذا أقَرُّوا به لزِمَهم، فإنْ لم تَتمَّ له هذه الحِيلةُ فله وَجهٌ ثانٍ:
(١) «الحاوي الكبير» (٧/ ٣٨، ٣١)، و «المهذب» (٢/ ٣٤٤)، و «البيان» (١٣/ ٤٢٠، ٤٢٢)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٨٥، ٨٦)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٢٢٩، ٢٣٠)، و «تحفة المحتاج» (٦/ ٥٨١، ٥٨٢).