اختَلفَ الفُقهاءُ فيما لو جرَحَ المُوصَى له المُوصيَ ثمَّ أوصَى له بعدَ عِلمِه أنه الجارحُ ثم ماتَ مِنْ هذا الجُرحِ، هل تَصحُّ الوَصيةُ أم لا؟
فقالَ الحَنابلةُ في المَذهبِ (وهو قَولُ المالِكيةِ كمَا سَيأتي): إذا جرَحَه ثم أوصَى المَجروحُ لجارِحِه فماتَ المَجروحُ مِنْ الجُرحِ لم تَبطلْ وَصيَّتُه؛ لأنَّ الوَصيةَ بعدَ الجرحِ صدَرَتْ مِنْ أهلِها في مَحلِّها لم يَطرأْ عليهَا ما يُبطلُها، بخِلافِ ما إذا تَقدَّمتْ؛ فإنَّ القتلَ طرَأَ عليهَا فأبطَلَها؛ لأنه يُبطِلُ ما هو آكَدُ منها.
ويُحقِّقُه أنَّ القتلَ إنما منَعَ المِيراثَ لكَونِه بالقتلِ استَعجلَ المِيراثَ الذي انعَقدَ سَببُه، فعُورِضَ بنَقيضِ قَصدِه وهو مَنعُ المِيراثِ دَفعًا لمَفسدةِ قَتلِ المَوروثينَ، ولذلكَ بطَلَ التَّدبيرُ بالقتلِ الطارئِ عليهِ أيضًا، وهذا المَعنى مُتحقِّقٌ في القَتلِ الطارئِ على الوَصيةِ، فإنه ربَّما استَعجلَها بقَتلِه.
وفارَقَ القَتلَ قبلَ الوَصيةِ؛ فإنه لم يَقصدْ به استِعجالَ مالٍ؛ لعَدمِ انعِقادِ سَببِه، والمُوصِي راضٍ بالوَصيةِ له بعدَ صُدورِ ما صدَرَ منه في حقِّه، ولا