للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ : ولا خِلافَ بينَ أهلِ العِلمِ في أنه إذا لم يُكذِّبْ نفْسَه لا تَحِلُّ له، إلا أنْ يَكونَ قَولًا شاذًّا (١).

ولأنه قد وقَعَ بينَهُما مِنْ التقاطُعِ والتباغُضِ والتهاتُرِ وإبطالِ حُدودِ اللهِ ما أوجَبَ أنْ لا يَجتمعَا بعدَها أبدًا، وذلكَ أنَّ الزوجيةَ مَبناها على المَودَّةِ والرحمةِ، وهؤلاءِ قد عَدِموا ذلكَ كُلَّ العَدمِ، ولا أقَلَّ مِنْ أنْ تَكونَ عُقوبَتُهما الفُرقةَ.

وبالجُملةِ فالقُبحُ الذي بينَهُما غايةُ القُبحِ (٢).

إذا أكذَبَ الزَّوجُ نفْسَه أو أكذَبَتِ الزَّوجةُ نفْسَها هل يَتأبَّدُ التَّحريمُ؟ أم يَجوزُ له أنْ يَتزوَّجَها؟

اختَلفَ الفُقهاءُ فيما لو أكذَبَ الزَّوجُ نفْسَه وأُقيمَ عليه حَدُّ القَذفِ أو أكذَبَتِ الزَّوجةُ نفْسَها، هل يَتأبَّدُ التَّحريمُ؟ أم لا ويَجوزُ له أنْ يَتزوَّجَها؟

فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ في المَذهبِ وأبو يُوسفَ مِنْ الحَنفيةِ إلى أنها تَحرمُ عليه باللعانِ تَحريمًا مُؤبَّدًا فلا تَحِلُّ له، وإنْ أكذَبَ نفْسَه جُلدَ الحَدَّ ولَحقَ به الوَلدُ ولم تَرجعْ إليه أبدًا، لقَولِ سَهلِ ابنِ سَعدٍ : «مَضَتْ السُّنةُ بعدُ في المُتلاعِنَينِ أنْ يُفرَّقَ بينَهُما ثمَّ لا يَجتمِعانِ أبَدًا» (٣).


(١) «المغني» (٨/ ٥٤).
(٢) «بداية المجتهد» (٢/ ٩١).
(٣) صَحِيحُ: رواه أبو داود (٢٢٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>