للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا: حُكمُ السَّرقةِ مِنْ الوَقفِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في حُكمِ مَنْ سَرقَ مِنْ مالِ الوقفِ، هل تُقطعُ يَدُه أم لا؟

فذهَبَ الحَنفيةُ إلى أنه لا يُقطَعُ مَنْ سَرقَ مِنْ مالِ الوَقفِ؛ لأنه إنْ كانَ الوَقفُ على العامَّةِ فَمالُه كبيتِ المالِ، وإنْ كانَ على قَومٍ مَحصورِينَ فلِعَدمِ المالكِ حقيقةً، وسَواءٌ كانَ السارقُ منهُم أم لا.

وقيلَ: يُقطَعُ بطَلبِ مُتولِّي الوَقفِ، ووَجهُه كما يَقولُ ابنُ عابدِينَ : كونُ الوَقفِ يَبقى على مِلكِ الواقفِ حُكمًا عندَ الإمامِ، وهذا في أصلِ الوَقفِ.

وأمَّا الغلَّةُ فقدْ صَرَّحوا بأنها مِلكُ المُستحِقِّينَ، لكنْ يَنبغي أنْ يُقالَ: إنْ كانَ السارقُ له حَقٌّ في الغلَّةِ لا يُقطَعُ بسرقتِه منها، سَواءٌ كانَ وَقفًا على العامَّةِ أو على قَومٍ مَحصورِينَ؛ لثُبوتِ الشَّركةِ، وكذا وَقفُ المَسجدِ إذا كانَ للسارقِ وَظيفةٌ فيه، بخِلافِ سَرقتِه لحُصُرِه وقَناديلِه؛ إذْ حقُّه في الغلَّةِ لا في الحُصرِ (١).

وذهَبَ الشافِعيةُ إلى أنَّ الوَقفَ إذا كانَ على الناسِ أو على جِهةٍ عامَّةٍ وسرَقَ إنسانٌ منه لم يُقطَعْ ولو كانَ ذِميًّا؛ لأنه مِنْ الناسِ، ولأنه تبَعٌ لمَصالحِ المُسلمينَ.

وإنْ كانَ الوقفُ على جِهةٍ خاصَّةٍ كالفُقراءِ والمَساكينِ فسَرقَ مِنْ غلَّتِه فقيرٌ أو مِسكينٌ لم يُقطعْ؛ لأنه مِنْ أهلِ الوقفِ، وكذا إنْ كانَ له شُبهةُ


(١) «حاشية ابن عابدين» (٤/ ٩٤)، و «البحر الرائق» (٥/ ٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>