للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضَّربُ الثالِثُ: الحُجاجُ:

ذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ خِلافًا لمُحمدِ بنِ الحَسنِ والمالِكيةُ والشافِعيةُ والإمامُ أحمدُ في رِوايةٍ اختارَها ابنُ قُدامةَ وقالَ إنَّه الصَّحيحُ، إلى أنَّه لا يَجوزُ أنْ يُصرَفَ من الزَّكاةِ في الحَجِّ.

قالَ ابنُ قُدامةَ : وهذا أصَحُّ؛ لأنَّ «سَبيلَ اللهِ» عندَ الإِطلاقِ إنَّما يَنصرِفُ إلى الجِهادِ، فإنَّ كلَّ ما في القرآنِ من ذِكرِ «سَبيلِ اللهِ» إنَّما أُريدَ به الجِهادُ إلا اليَسيرَ فيَجبُ أنْ يُحمَلَ ما في هذه الآيةِ على ذلك؛ لأنَّ الظاهِرَ إِرادتُه به؛ ولأنَّ الزَّكاةَ إنَّما تُصرَفُ إلى أحَدِ رَجلَينِ: مُحتاجٍ إليها كالفُقراءِ والمَساكينِ، وفي الرِّقابِ لِقَضاءِ دُيونِهم، أو مَنْ يَحتاجُ إليه المُسلِمونَ كالعامِلِ والغازِي والمُؤلَّفِ والغارِمِ لِإصلاحِ ذاتِ البَينِ، والحَجُّ من الفَقيرِ لا نَفعَ للمُسلِمينَ فيه ولا حاجةَ بهم إليه، ولا حاجةَ به أيضًا إليه؛ لأنَّ الفَقيرَ لا فَرضَ عليه ليُسقِطَه، ولا مَصلَحةَ له في إِيجابِه عليه، وتَكليفُه مَشقَّةٌ قد رفَّهَه اللهُ منها وخفَّفَ عنه إِيجابَها، وتَوفيرُ هذا القَدرِ على ذَوي الحاجةِ من سائِرِ الأَصنافِ أو دَفعُه في مَصالِحِ المُسلِمينَ أَوْلى (١).

وذهَبَ الإمامُ أحمَدُ في الرِّوايةِ الثانيةِ (اختارَها من أَصحابِه الخِرقيُّ وأبو بَكرِ بنُ عبدِ العَزيزِ وأبو حَفصٍ البَرمَكيُّ) إلى جَوازِ أنْ يُعطَى الفَقيرُ من الزَّكاةِ ليَحُجَّ حَجةَ الإِسلامِ، وأنَّ الحَجَّ من سَبيلِ اللهِ؛ لِما رَوى أبو داودَ عن أُمِّ مَعقِلٍ قالَت: «لمَّا حَجَّ رَسولُ اللَّهِ حَجةَ الوَداعِ وكانَ لنا جَملٌ فجعَلَه أبو مَعقِلٍ في سَبيلِ اللَّهِ وأصابَنا مَرضٌ وهلَكَ أبو مَعقِلٍ، وخرَجَ


(١) «المغني» (٦/ ٣٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>