للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَقليدُ المَفضولِ معَ وُجودِ الفاضلِ:

اتفَقَ الفُقهاءُ على أنَّ الأَصلَ في الذي يَلي القَضاءَ أنْ يَكونَ أَفضلَ المَوجودينَ ممَّن يَصلحُ للقَضاء والذي اكتمَلَتْ فيه شُروطُ القَضاءِ، وإذا وُجدَ مُجتهِدٌ مُطلَقٌ فلا يَجوزُ عندَ المالِكيةِ أنْ يَتولى القَضاءَ مُقلِّدٌ معَ وُجودِ مِجتهدٍ مُطلَقٍ، وتَبطلُ وِلايتُه، وهذا الذي اعتَمدَه كَثيرٌ مِنْ المالِكيةِ.

والقَولُ الثانِي -وهو الذي عليه المَذهبُ- أنَّ تَوليتَه صَحيحةٌ.

وأمَّا إذا لمْ يَكنْ هناك مُجتهِدٌ مُطلَقٌ فيَصحُّ تَوليةُ المَفضولِ معَ وُجودِ الفاضلِ عندَ جُمهورِ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ -وهو مُقتضى كَلامِ الحَنفيةِ-؛ لأنَّ زيادةَ الفَضلِ مُبالغةٌ في الاختيارِ وليسَتْ مُعتبرَةً في شُروطِ الاستِحقاقِ، ولأنَّ المَفضولَ مِنْ الصَّحابةِ والسَّلفِ كانَ يُفتي معَ الفاضلِ منهم معَ الاشتهارِ والتَّكرارِ ولمْ يُنكرْ ذلك أَحدٌ فكانَ إِجماعًا (١).

حُكمُ التَّحاكمِ عندَ مَنْ له أَهليةُ القَضاءِ:

اتفَقَ فُقهاءُ المَذاهبِ الأَربعةِ على أنَّه إذا تحاكَمَ رَجلانِ إلى رَجلٍ حكَّماه بينَهما ورضِياه وكانَ ممَّن يَصلحُ للقَضاءِ فحكَمَ بينَهما جازَ ذلك؛ لقَولِه تَعالى: ﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا﴾ [النساء: ٣٥].

ولعَملِ رَسولِ اللهِ بتَحكيمِ سَعدِ بنِ مُعاذٍ في بَني قُريظةَ بسَبي ذَراريِّهم وقَتلِ مُقاتليهم كما في الصَّحيحِ.


(١) «مواهب الجليل» (٨/ ٥٤)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٦/ ٣، ٤)، و «الحاوي الكبير» (١٦/ ١٦١)، و «الأحكام السلطانية» ص (٨)، و «الإنصاف» (١١/ ١٩٣)، و «كشاف القناع» (٦/ ٣٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>