وقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ ﵀: وأجمَعَ أهلُ العِلمِ على أنَّ الصَّائمةَ مُتتابِعًا إذا حاضَتْ قبلَ إتمامِهِ تَقضي إذا طَهرَتْ وتَبنِي؛ وذلكَ لأنَّ الحَيضَ لا يُمكِنُ التحرُّزُ منه في الشَّهرَينِ إلا بتأخيرِه إلى الإياسِ وفيه تَغريرٌ بالصَّومِ؛ لأنها ربَّما ماتَتْ قبلَه.
والنِّفاسُ كالحَيضِ في أنه لا يَقطعُ التَّتابعَ في أحَدِ الوجهَينِ؛ لأنه بمَنزلَتِه في أحكامِه، ولأنَّ الفِطرَ لا يَحصلُ فيهما بفِعلِهما، وإنَّما ذلكَ الزَّمانُ كزَمانِ اللَّيلِ في حقِّهما.
والوَجهُ الثَّاني: أنَّ النِّفاسَ يَقطعُ التَّتابعَ؛ لأنه فِطرٌ أمكَنَ التحرُّزُ منه لا يَتكرَّرُ كلَّ عامٍ، فقطَعَ التَّتابعَ كالفِطرِ لغَيرِ عُذرٍ، ولا يَصحُ قِياسُه على الحَيضِ؛ لأنه أندَرُ منه ويُمكِنُ التَّحرزُ عنه (١).
إذا أفطَرَ المظاهِرُ في أثناءِ الصِّيامِ لعُذرٍ:
اختَلفَ الفُقهاءُ فيمَن عليه كفَّارةُ صِيامِ شَهرينِ مُتتابعَينِ فأفطَرَ بعُذرٍ كمَرضٍ مَخُوفٍ، هل يَنقطعُ تَتابعُه ويَلزمُه أنْ يَستأنفَ الصِّيامَ مِنْ جَديدٍ؟ أم لا يَقطعُ التَّتابعَ ويَبني بعدَ ذلكَ؟
فذهَبَ المالِكيةُ والشافِعيُّ في القَديمِ والحَنابلةُ وابنُ المُنذِرِ إلى أنه إنْ أفطَرَ لمَرضٍ مَخُوفٍ لم يَنقطِعِ التَّتابعُ؛ لأنه أفطَرَ لسَببٍ لا صُنعَ له فيه، فلم يَقطَعِ التَّتابعَ كإفطارِ المَرأةِ للحَيضِ؛ وذلكَ لأنهم أجمَعوا على
(١) «المغني» (٨/ ٢١، ٢٢)، و «المبدع» (٨/ ٦١)، و «البيان» (١٠/ ٣٨٧، ٣٨٨).