وقالَ الحَنابِلةُ: إذا حدَثَ بالمُوصَى به ما يُزيلُ اسمَه من غيرِ فِعلِ المُوصي، مِثلَ أنْ سقَطَ الحَبُّ في الأرضِ فصارَ زَرعًا أو انهَدَمت الدارُ فصارَت فَضاءً في حَياةِ المُوصي بطَلَت الوَصيةُ بها على الصَّحيحِ من المَذهبِ، ولا تَعودُ بعَودِ البِناءِ؛ لأنَّ الباقيَ لا يَتناوَلُه الاسمُ، وإنْ كانَ انْهِدامُ الدارِ لا يُزيلُ اسمَها سُلِّمت إليه دونَ ما انفصَلَ منها؛ لأنَّ الاسمَ حينَ الاستِحقاقِ يَقعُ على المُتصلِ دونَ المُنفصلِ، ويَتبَعُ الدارَ في الوَصيةِ ما يَتبعُها في البَيعِ (١).
٩ - جُحودُ الوَصيةِ:
اختَلفَ الفُقهاءُ فيما لو جحَدَ المُوصي الوَصيةَ، هل ذلك يُعتبَرُ رُجوعًا عن الوَصيةِ أو لا؟
فذهَبَ الحَنفيةُ في المُفتَى به عندَهم، وهو قَولُ مُحمدٍ والشافِعيةُ في قَولٍ والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ المُوصيَ إذا جحَدَ الوَصيةَ لا يُعتبَرُ ذلك رُجوعًا عنها؛ لأنَّها عَقدٌ فلا تَبطلُ بالجُحودِ كسائِرِ العُقودِ؛ لأنَّ الرُّجوعَ فَسخٌ ورَفعٌ للعَقدِ الثابِتِ، وجُحودُ أَصلِ العَقدِ لا يَكونُ تَصرُّفًا فيه بالرَّفعِ، كما أنَّ جُحودَ النِّكاحِ من الزَّوجِ لا يَكونُ رَفعًا له بالطَّلاقِ.
ولأنَّ الجُحودَ -وهو أنْ يَقولَ:«لم أُوصِ لفُلانٍ» أو «ما أَوصَيتُ له» - نَفيٌ في الماضي؛ لكَونِه مَوضوعًا لذلك، والانتِفاءُ في الحالِ ضَرورةُ ذلك لاستِمرارِ ذلك إنْ ثبَتَ ما لم يُغيَّرْ، وإذا كانَ الكَذبُ ثابِتًا في الحالِ لكَونِه
(١) «المغني» (٦/ ٩٨)، و «الإنصاف» (٧/ ٢١٥)، و «كشاف القناع» (٤/ ٤٢٤).