للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ ابنُ قُدامةَ : لا خِلافَ بينَ أهلِ العِلمِ أنه لا قِصاصَ على صَبيٍّ ولا مَجنونٍ، وكذلكَ كلُّ زائلِ العَقلِ بسَببٍ يُعذَرُ فيه مثلَ النائمِ والمُغمَى عليهِ ونحوِهما، والأصلُ في هذا قَولُ النبيِّ : «رُفعَ القَلمُ عن ثَلاثةٍ: عن الصبيِّ حتَّى يَبلغَ، وعن النائمِ حتَّى يَستيقظَ، وعن المَجنونِ حتى يَفيقَ»، ولأنَّ القِصاصَ عُقوبةٌ مُغلَّظةٌ، فلَم تَجبْ على الصبيِّ وزائلِ العَقلِ كالحُدودِ، ولأنهُم ليسَ لهم قَصدٌ صَحيحٌ، فهُم كالقاتلِ خَطأٍ (١).

القِصاصُ مِنْ السَّكرانِ:

السَّكرانُ إذا قتَلَ في حالِ سُكرِه فإنْ زالَ عَقلُه بغَيرِ مُحرَّمٍ فهو كالمُغمَى عليهِ لا قِصاصَ عليهِ اتِّفاقًا؛ لأنه لا قصْدَ له ولا زجْرَ عليهِ.

ثمَّ اختَلفُوا فيما لو سَكِرَ بمُحرَّمٍ وقتَلَ في حالِ سُكرِه وثبَتَ عليهِ ببيِّنةٍ أو إقرارٍ، هل يُقتصُّ منه أم لا؟

فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى وُجوبِ القِصاصِ على السَّكرانِ المُتعدِّي بسُكرِه إذا قتَلَ حالَ


(١) «المغني» (٨/ ٢٢٦)، ويُنظَر: «بدائع الصنائع» (٧/ ١٨٠)، و «التاج والإكليل» (٥/ ٢١٦)، و «شرح مختصر خليل» (٨/ ٣)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٦/ ١٧٦)، و «تحبير المختصر» (٥/ ٢٢٠)، و «روضة الطالبين» (٦/ ١٥٨)، و «أسنى المطالب» (٤/ ١٢)، و «النجم الوهاج» (٨/ ٣٥٥)، و «مغني المحتاج» (٥/ ٢٣١)، و «كشاف القناع» (٥/ ٦١٣، ٦١٤)، و «شرح منتهى الإرادات» (٦/ ٢٦)، و «منار السبيل» (٣/ ٢٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>