للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأهلِ الحَربِ؛ لأنَّهم يَرجِعون إلى المَنَعةِ فيَصيرونَ حَربًا علينا، وقَتلُ المُشرِكِ عندَ التَّمكُّنِ منه فَرضٌ مُحكَمٌ، وفي المُفاداةِ تَركُ إقامةِ هذا الفَرضِ، ولأنَّه صارَ بالأسرِ من أهلِ دارِنا، فلا يَجوزُ إعادَتُه لدارِ الحَربِ ليَكونَ حَربًا علينا، وفي هذا مَعصيةٌ، وارتِكابُ المَعصيةِ لمَنفَعةِ المالِ لا يَجوزُ، ولو أعطَوْنا مالًا لتَركِ الصَّلاةِ لا يَجوزُ لنا أنْ نَفعلَ ذلك مع الحاجةِ، فكذا لا يَجوزُ تَركُ قَتلِ المُشرِكِ بالمُفاداةِ (١).

يَكونُ نَظرُ الإمامِ في الأسرى بحسَبِ الاجتِهادِ والمَصلَحةِ لأهلِ الإسلامِ:

إذا ثبَتَ أنَّ الإمامَ مُخيَّرٌ في هذه الأُمورِ: (القَتلِ، والمُفاداةِ، والمَنِّ، والاستِرقاقِ)؛ فإنَّ هذا لا يَكونُ وَفقَ الهَوى والتَّشهِّي، بل لا بدَّ من مُراعاةِ الأصلَحِ والأنفَعِ للمُسلِمينَ، فمتى رأى مَصلَحةً في خَصلةٍ لزِمَه فِعلُها؛ لأنَّه يَتصرَّفُ لهم على سَبيلِ النَّظرِ لهم، فلم يَجزْ تَركُ ما فيه الأصلَحُ كوَليِّ اليَتيمِ.

قالَ ابنُ قُدامةَ : فإنَّ هذا تَخييرُ مَصلَحةٍ واجتِهادٍ ليسَ تَخييرَ شَهوةٍ، فمَتى رأى المَصلَحةَ في خَصلةٍ من هذه الخِصالِ تَعيَّنت عليه، ولم يَجزِ العُدولُ عنها، ومتى تَردَّدَ فيها فالقَتلُ أوْلى (٢).

وقالَ الإمامُ المُجاهِدُ أبو عبدِ اللهِ مُحمدُ بنُ عيسى بنِ مُحمدِ بنِ أصبَغَ الأزديُّ القُرطبيُّ المَعروفُ بابنِ المُناصِفِ : يَكونُ نَظرُ الإمامِ في الأسرى بحسَبِ الاجتِهادِ والمَصلَحةِ لأهلِ الإسلامِ، فمَن خُشِيت


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ١١٩)، والمَصادِر السَّابقَة.
(٢) «المغني» (٩/ ١٨٠)، وانظر: «المبدع» (٣/ ٣٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>