شَركةُ المُفاوَضةِ عندَ الحَنفيَّةِ: هي أنْ يَشتركَ الرَّجلانِ فيَتساويا في مالِهما وتَصرُّفِهما ودَينِهما، ويَكونَ كلٌّ منهما كَفيلًا عن الآخَرِ في كلِّ ما يَلزمُه مِنْ عُهدةِ ما يَشتريه، كما أنَّه وَكيلٌ عنه؛ لأنَّها شَركةٌ عامَّةٌ يُفوِّضُ كلٌّ منهما صاحبَه على العُمومِ في التِّجاراتِ والتَّصرُّفاتِ؛ لأنَّ الفَوضةَ الشَّركةُ، والمُفاوضةَ المُساواةُ، فلَزمَ مُطلقُ المُساواةِ فيما يُمكِنُ الاشتِراكُ فيه، فعَمَّ التَّساوي في ذلك.
وهي مِنَ التَّفويضِ أو الفَوضِ الذي منه فاضَ الماءُ، إذا عَمَّ وانتشَر؛ لأنَّ كلَّ واحِدٍ منهما يُفوِّضُ التَّصرُّفَ إلى صاحبِه على أيِّ حالٍ، ومنه قَولُ الشاعِرِ:
لا يَصْلحُ الناسُ فَوضى لا سراةَ لهم … ولَا سرَاة إذا جهَّالُهُمْ سَادوا
إذا تولى سراةُ الناس أمرَهم … نما على ذاك أمرُ القوم وازدادوا
ومعنى البَيتِ: إذا كان الناسُ مُتساوين لا كَبيرَ لهم ولا سَيِّدَ يَرجعون إليه؛ بل كان كلُّ واحِدٍ مُستقلًّا يُنفِّذُ مُرادَه كيف كان، تَحقَّقت المُنازعةُ، كما في قَولِ اللهِ ﷾: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء: ٢٢]، والسُّراةُ: جَمع سَرى، وهو السَّيِّدُ، وسيأتي وَجهُ المُساواةِ فلا بُدَّ مِنْ تَحقُّقِ المُساواةِ ابتِداءً عندَ عَقدِ الشَّركةِ، وانتِهاءً، أي: في مُدَّةِ البَقاءِ؛ لأنَّ عَقدَ الشَّركةِ عَقدٌ غَيرُ لَازمٍ؛ فإنَّ لكلٍّ منهما أنْ يَفسخَه إذا شاءَ، فكان لِبقائِه حُكمُ الابتِداءِ،