للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الحَنابِلةُ: المَعنَى في النَّهيِ عن تَلَقِّي الرُّكبانِ لَحِقَه، لا غيرَه؛ لأنَّ المُتلَقِّي في الأغلَبِ إمَّا أنْ يَكذِبَ في سِعرِ البَلَدِ، وإذًا يَكونُ غارًّا غاشًّا، أو يَسكُتَ فيَكونَ مُدلِّسًا خادِعًا (١).

هل يثبُتُ الخِيارُ في حَقِّ المُتلَقِّي مُطلَقًا أو إذا كانَ مَغبونًا فَقط؟

اختلَف الفُقهاءُ في المُتلَقِّي إذا باعَ السِّلعةَ ثم ذهَب إلى السُّوقِ، هل له الخِيارُ أو لا؟

فقالَ الحَنفيَّةُ: لا خِيارَ له.

وقالَ المالِكيَّةُ: ليسَ له الخِيارُ، وإنَّما تُعرَضُ السِّلعةُ على أهلِ الحاضِرةِ في السُّوقِ بالثَّمنِ الذي اشتَراها به؛ لأنَّ لَهم حَقًّا فيها؛ فإنْ قَبِلوها وإلَّا رُدَّتْ عليه، ولا تُرَدُّ على بائِعِها؛ لِلحَقِّ الذي لَهم في ذلك (٢).

وقالَ الشافِعيَّةُ والحَنابِلةُ: لا خِيارَ لَهم قبلَ أنْ يَقدَموا ويَعلَموا السِّعرَ، وبعدَه يثبُتُ لَهم الخِيارُ إنْ كانَ الشِّراءُ بأرخَصَ مِنْ سِعرِ البَلَدِ، وقد غُبِنوا؛ لأنَّه إنَّما ثبَت لِأجْلِ الخَديعةِ ودَفْعِ الضَّرَرِ، ولا ضَرَرَ مع عَدَمِ الغَبنِ؛ لقولِه : «لا تَلَقَّوُا الجَلَبَ، فمَن تَلَقَّاه فاشتَرَى مِنه فإذا أتَى سَيِّدُه السُّوقَ فهو بالخِيارِ» (٣)، ولأنَّه غَرَّهم ودلَّس عليهم، فثبَت لَهمُ الخِيارُ، كما لو دلَّس عليهم بعَيبٍ.


(١) «المغني» (٤/ ١٥٣)، و «شرح الزركشي» (٢/ ٩١)، و «المبدع» (٤/ ٧٧).
(٢) «بداية المجتهد» (٢/ ١٢٥)، و «البيان والتحصيل» (٩/ ٣٨٠، ٣٨١، ٣٩٤).
(٣) رواه مسلم (١٥١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>