للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُقوبةُ المحارِبينَ:

اتَّفقَ فُقهاءُ الإسلامِ على أنَّ عُقوبةَ الحِرابةِ وقَطعِ الطريقِ حَدٌّ مِنْ حُدودِ اللهِ، لا يَجوزُ للحاكمِ أنْ يُسقطَها ولا أنْ يَعفوَ عنها، إلا إذا تَابوا قبلَ القُدرةِ عليهِم، والأصلُ في هذا قَولُ اللهِ تعالَى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٣٣) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٤)[المائدة: ٣٣، ٣٤].

إلا أنَّ الفُقهاءَ اختَلفوا هل هذا الحُكمُ فيهِم على التَّخييرِ في أنْ يَفعلَ الإمامُ منها ما رَآهُ صَلاحًا؟ أم على التَّنويعِ والتَّرتيبِ، فتَكونُ كلُّ عُقوبةٍ منها في مُقابَلةِ ذَنبٍ لا يَتعدَّاهُ إلى غيرِه؟

فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الصاحِبانِ مِنْ الحَنفيةِ أبو يُوسفَ ومُحمدٌ والشافِعيةُ والحَنابلةُ إلى أنَّ هذهِ الآيةِ على التَّنويعِ وليسَتْ على التَّخييرِ، وحالُهم لا يَخلو مِنْ أربَعةِ أنواعٍ:

النَّوعُ الأولُ: مَنْ قتَلَ منهُم وأخَذَ المالَ: فهذا حُكمُه أنه يُقتلُ ولو عَفَى وليُّ المَقتولِ عن القتلِ؛ لأنه حَقُّ اللهِ تعالَى، فلا يَسقطُ بعَفوِ الوليِّ، ويُصلَبُ حتى يَشتهرَ بهِ؛ لأنَّ المَقصودَ منه زَجرُ غيرِه، ولا يَحصلُ إلا بهِ، ثم يُنزَلُ ويُدفعُ إلى أهلِه.

<<  <  ج: ص:  >  >>