للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لُزومُ الوَقفِ بمُجرَّدِ القَولِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في الوَقفِ هل يَلزمُ بمُجرَّدِ القَولِ أم بالقَبضِ؟

فذهَبَ مُحمدُ بنُ الحَسنِ والحَنابلةُ في رِوايةٍ إلى أنَّ الوَقفَ لا يَلزمُ إلا بالقَبضِ؛ لأنه تَبرعٌ بمالٍ لم يُخرِجْه عن الماليَّةِ، فلمْ يَلزمْ بمُجرَّدِه كالهِبةِ (١).

قالَ مُحمدُ بنُ الحَسنِ : لا يَزولُ حتى يَجعلَ للوَقفِ وَليًّا ويُسلِّمَه إليهِ؛ لأنه صَدقةٌ، فيَكونُ التَّسليمُ مِنْ شَرطِه كالصَّدقةِ المُنفَذةِ، ولأنَّ التَّمليكَ مِنْ اللهِ تعالى لا يُتصوَّرُ؛ لأنه مالِكُ الأشياءِ، ولكنَّه يَثبتُ في ضِمنِ التَّسليمِ إلى العَبدِ كما في الزَّكاةِ وغيرِها مِنْ الصَّدقاتِ المُنفَذةِ (٢).

وذهَبَ المالِكيةُ والحَنابلةُ في المَذهبِ والشافِعيةُ وأبو يُوسفَ منَ الحَنفيةِ-وعليهِ الفَتوى عندَهُم- إلى أنَّ الوَقفَ يَزولُ بمُجرَّدِ القَولِ ولا يُشترطُ القَبضُ؛ لقَولِ النبيِّ لعُمرَ: «احْبِسْ أصْلَها وسَبِّلْ ثَمرتَها» (٣)، ولم يَأمُرْه بالإقباضِ، ولأنه جعَلَ إليه التَّحْبيسَ، ولأنه تَبرعٌ يَمنعُ البيعَ والهِبةَ، فيَلزمُ بمُجرَّدِه كالعِتقِ، ولأنَّ عُمرَ وقَفَ تِلكَ السِّهامَ التي ملَكَها مِنْ أرضِ خَيبَرَ، فكانَ يَلي صَدقتَه حتَّى قبَضَهُ اللهُ، ولم يُخرِجْها مِنْ


(١) «المبدع» (٥/ ٣٢٨).
(٢) «بدائع الصنائع» (٦/ ١٩، ٢٠)، و «الهداية» (٣/ ١٩)، و «تبيين الحقائق» (٣/ ٣٢٥، ٣٢٦)، و «الاختيار» (٣/ ٤٩، ٥٠)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٩٨).
(٣) رواه النسائي (٣٦٠٣)، وابن ماجه (٢٣٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>