وأَصحابَه قالوا: لا تَثبُتُ الشُّفعةُ في الهِبةِ المَشروطِ فيها ثَوابٌ حتى يَتقابَضا؛ لأنَّ الهِبةَ لا تَثبُتُ إلا بالقَبضِ، فأشبَهَت البَيعَ بشَرطِ الخيارِ.
ولنا: أنَّه يَملِكُها بعِوضٍ هو مالٌ فلم يَفتقِرْ إلى القَبضِ في استِحقاقِ الشُّفعةِ كالبَيعِ، ولا يَصحُّ ما قالوه من اعتِبارِ لَفظِ الهِبةِ؛ لأنَّ العِوضَ صرَفَ اللَّفظَ عن مُقتَضاه، وجعَلَه عِبارةً عن البَيعِ، خُصوصًا عندَهم، فإنَّه يَنعقِدُ بها النِّكاحُ الذي لا تَصحُّ الهِبةُ فيه بالاتِّفاقِ (١).
ما مُلكَ بغيرِ عِوضٍ:
اختَلفَ الفُقهاءُ فيما مُلكَ بغيرِ عِوضٍ ماليٍّ كهِبةٍ بغيرِ ثَوابٍ أو صَدقةٍ أو وَصيةٍ أو إِرثٍ هل تَثبُتُ فيه الشُّفعةُ أو لا؟
فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ في المَشهورِ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّه لا تَثبُتُ الشُّفعةُ فيما مُلكَ بغيرِ عِوضٍ، فإذا كانَ عَقارًا بينَ اثنَينِ شَركةً ثم وهَبَ أَحدُهما نَصيبَه لإِنسانٍ آخَرَ أو تصدَّقَ به عليه فلا شُفعةَ له فيه؛ لأنَّ الآخِذَ بالشُّفعةِ يَملِكُ على المَأخوذِ منه بمِثلِ ما ملَكَ هو، فإذا انعدَمَ مَعنى المُعاوَضةِ فلو أخَذَ الشَّفيعُ فإمَّا أنْ يأخُذَ بالقيمةِ وإمَّا أنْ
(١) «المغني» (٥/ ١٨٢)، ويُنْظَر: «بدائع الصنائع» (٥/ ١٠، ١١)، و «الاختيار» (٢/ ٥١، ٥٢)، و «الجوهرة النيرة» (٣/ ٣٩٣)، و «اللباب» (١/ ٥٠٧)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ٩٢)، و «الفتاوى الهندية» (٥/ ١٦٠)، و «روضة الطالبين» (٣/ ٧٠٢، ٧٠٣)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٢٢٨)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٣٢٣)، و «تحفة المحتاج» (٧/ ١١٣، ١١٤)، و «الكافي» (٢/ ٤١٨).