للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا أفاقَ المَجنونُ في أثناءِ الشَّهرِ:

واختَلفُوا أيضًا فيما إذا أفاق المَجنونُ في أثناءِ الشَّهرِ.

فذهَب الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ وأحمدُ في رِوايةٍ إلى أنَّه يَلزَمُه صَومُ ما بَقيَ ويَقضي ما مَضى، لِوُجودِ السَّببِ والأهليَّةِ بالذِّمَّةِ، والمَقصودُ بالسَّببِ هو شُهودُه بَعضَ الشَّهرِ، وذلك هو تَقديرُ الآيةِ: فمَن شَهِد منكم بَعضَ الشَّهرِ فليَصُمِ الشَّهرَ كلَّه؛ لأنَّ الضَّميرَ يَرجِعُ إلى المَذكورِ دونَ المُضمَرِ، والمَجنونُ الذي لم يَستغرِقْ جُنونُه الشَّهرَ قد شَهِد بَعضَ الشَّهرِ، فيَصومُ كلَّه.

ولأنَّ الجُنونَ لا يُنافي الصَّومَ، بدَليلِ ما لو جُنَّ في أثناءِ الصَّومِ لم يَفسُدْ، فإذا وُجِد في بَعضِ الشَّهرِ، وجَب القَضاءُ، كالإغماءِ.

وذهَب الشافِعيَّةُ والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّه إنَّما يَلزَمُه صَومُ ما أفاقَ فيه، ولا يَلزمُه قَضاءُ ما فاتَه في حالِ الجُنونِ؛ لأنَّه صَومٌ فات في حالٍ يَسقُطُ فيه التَّكليفُ لِنَقصٍ، فلم يَجِبْ قَضاؤُه، كما لو فات في حالِ الصِّغرِ والكُفرِ.

وهذا الخِلافُ في المَجنونِ، أمَّا المُغمى عليه فيَجِبُ عليه القَضاءُ بغَيرِ خِلافٍ بينَ فُقهاءِ المَذاهبِ الأربَعةِ.

قال ابنُ قُدامةَ : على المُغمى عليه القَضاءُ بغَيرِ خِلافٍ عَلِمْناه؛ لأنَّ مُدَّتَه لا تَتطاوَلُ غالِبًا ولا تَثبُتُ الوِلايةُ على صاحِبِه فلم يَزُلِ التَّكليفُ به، وقَضاءُ العِباداتِ، كالنَّومِ (١).


(١) «المغني» (٤/ ٢١٩، ٢٢٠)، وباقي المَصادِر السَّابِقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>